اللوحة: الفنان الإيطالي دوبليو بارنابي
جملة مفيدة
وحشتيني..
كلمة يقشعر لها البدن, ترتفع دقات القلب حتى تطغى على موسيقى “زامفير” المنبعثة في أرجاء الغرفة, أزعم أن ريقها يجف بشدة, يضطرب صوتها… كل ذلك أدركه في التو..
بذكاء تغيّر موضوع الحديث, فأردّها إليه، أغوص معها في قضية لا طائل من الحديث عنها، ثم أفاجئها مرة أخرى: وحشتيني.
تقول: تصرّ على تحريك المياه الآسنة، أو كأنك تتعمّد إنهاء المحادثة؟
قلت: أراهنك أن عينيك تلمعان بشدة، تبرقان بوميض لم يألفه الناس عندك، شفتيك تتوهجان بلهيب حارق غامض، حتى أزعم أن سيجارًا كوبيًا إن لمسهما الآن لاحترق وأصبح رمادًا في جزء من الثانية.
الخط لا يزال مفتوحًا، لكن لا مجيب على الطرف الآخر، أسمع أنفاسًا ثقيلة، تأتيني حروف متقطعة لا يمكن أن تنتظم في جملة مفيدة.
إيمان لا يتزعزع
رأيتكِ بعد مغرب أمس، على رغم الزحام، أعلم أنكِ رأيتني.
التقت أعيننا ثانية أو أقل قليلًا. مثلكِ تحاشيت النظر إليكِ. لكن بعدما أصبحت المسافة بيننا آمنة، عُدت إليكِ بكلّي، فأنا أعرف مشيتكِ، أطب جدًا لذلك الإيقاع الذي تعزفينه على الأرض. لكن لمَ لم تلتفتي إليّ؟!
هكذا انقضى أمسي، كما مضت من قبل مساءات كثيرة.
لقد غضبت أنك لم تنظري خلفكِ، لمّا سكنت ثورتي، راجعت نفسي قبل أن تبدأ نُذر الصباح التالي، وجدتني أتذكر عبارتكِ الخالدة: الملتفتُ خاسر دائمًا، فأكبرتُ فيكِ إيمانكِ هذا، وأنا أمضغ الهواء بين أضراسي من الغيظ.
دائرة معارف متوسطة الحجم
ظلت أمي، حتى وفاتها تؤمن أن نجمي سيعلو، سيكون لي شأن كبير.
داومت على صنع عرائس من الورق، تخرقها كل ليلة بإبرة خياطة تدّخرها لهذا الغرض، تعدّد أعين الحاسدين من الأقارب والجيران، ثم تحرقها وتنثر رمادها في الهواء وهي تدعو في سرّها.
لقد استهلكت رحمها الله كمية كبيرة من الورق تكفي لطباعة دائرة معارف متوسطة الحجم.
بالأمس زارتني في المنام، طلبت بلهجة أقرب إلى الأمر رزمة من الورق الأبيض الفاخر المستورد، بوزن ثمانين جرام، مقصًا صغيرًا مسنونًا، دستة من إبر الخياطة من ماركة انجليزية معروفة.
ثم غادرتني وهي تلوم نفسها، تقول: سأحاول معك مرة ثانية .
