الطيور تحلق في الفضاء

الطيور تحلق في الفضاء

اللوحة: الفنان الألماني أوتو ديكس

محمد محمود غدية

قرر السفر الى بلاد بعيدة، بعد ان ضاقت به سبل العيش.

 إثر تخرجه من كلية التربية الرياضية، وهي واحدة من الكليات التي لا تعطي دروس للطلبة، حمل في حقيبته معطف الجليد وآلامه، وابتدأ الطريق التي عليه ان يقطعها.

يتبعه قدره كظله، وبعد رحلة عناء في البحث عن عمل، وجد عملا متواضعا نادلا في احدى الكافيهات، اسعفته لغة البلد التي يتقنها على العيش، يترقرق على لسانه الشعر، يصف به جمال الطبيعة البحر والأشجار والأزهار، والمرأة التي لم تدخل ساحته بعد، فما زال الشعر مدخرا، حتى يلتقي ومعشوقته التي تنتشله من حلكة الحياة، فيغرقها شعرا وعشقا، متى تأتي لا يدري؟

حسبه ان تقع عينه يوما على امرأة زاخرة بروح الحركة والحياة، صاحبة ابتسامة عذبة، مثل شمس في نورها المتألق، يجد لديها الطمأنينة، وتشيع في نفسه الراحة والبهجة، التي يفتقر اليها ويرجوها، حتى كان يوما سألته احدى المترددات على الكافيه: انت عربي؟ 

– أدهشه السؤال فأعاده عليها فملامحها عربية مثله، فأجابته: نعم جزائرية.

لم يكن فيها ما يستوقف النظر الا عينان نفاذتان، تزخران بحيوية فائقة، تظللهما اهداب وطفاء، تزيد نفاذ النظرة وعمقها، على فمها تتخايل ابتسامة مشرقة، على كتفيها خصلات شعر، صاغها المطر والثلج، فأضفى سبائك من البللور والفضة، أمامها قفص عصافير كناريا، أشارت اليه قائلة: أتحب العصافير؟ 

أحبها طليقة لا حبيسة القفص، حتى لو كان مصنوعا من الذهب، انظري الى حيرته وعذابه وهو في الاسر، بينما الدنيا امامه تتسع لملايين غيره من الطير التي خلقها الله، تحلق جميعها في الفضاء الواسع، تحط على غصون الاشجار والازهار، تلتقط الحب من الحقول والمروج الشاسعة، تشرب من أي نبع او مجرى يصادفها في كل انهار الدنيا،  لا تشرب من قنينة زجاج تفرغ بعد وقت، انتظرته حتى فرغت نوبته، وتأبطت ذراعه وأطلقت العصافير من اقفاصها، التي اومأت برأسها شاكرة وهى تسبح في الفضاء الواسع، في الكافية كانت عيون ابناء بلدتها ترقبهما، انتظرتهما على ناصية احد الشوارع الصغيرة، حيث تخف الحركة والمارة، ليعاجله احدهم بلكمة في وجهه، اثر سقوط قفص العصافير على الأرض، وبينما هم أحدهم بالتقاطه، حتى عاجله الرياضي بلكمة قوية كانت القاضية، أسقطته ارضا وعاجل الآخرين بلكمات يمنى ويسرى فروا على آثرها، بين دهشة رفيقته التي أمسكت به، ووجد فيها المرأة المدخرة لإطلاق أشعاره.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.