يوسف العصر الجديد

يوسف العصر الجديد

مؤمن زكارنة

اللوحة: كاريكاتير للفنان الفلسطيني محمد سباعنة

أنا ابن غزّة.. يوسف العصر الجديد

موتي كثير موتي طويل

ولا أحد هناك يراني

عيون الكوكب لا تراني

لا ترى الدّم على ملابسي

لا ترى الرصاص في قلبي

أو صاروخًا ينام على سريري

ولا أحد يرى جنديًّا ينام على بساطي

ويتابع الأخبار من تلفاز جدّتي

يأكلُ خبزنا وطعامنا 

يضع حاجزًا بين المطبخ والصالون 

يرفع علمًا لا يشبه وجه أبي الرجل البسيط 

يصادر القرآن من أمي

ويخاطبني: لا تكتب شيئًا عن الغد.

أنا ابن غزة.. يوسف العصر الجديد

مواطن عادي لم يفعل شيئًا لكي يموت

متُّ خلسة، كان الموت على عجلة من أمره

ولم يراني أحد أغادر

ولم ير أحد أمي تسأل عن بقيّتي

وأبي الذي فقد بصره من البكاء على عظامي

هم فقط يرون أخي يشير لطائرة

ويصرخ: هذا هو القاتل وثأري قادم

لم يسأل السياسيين

هل كلّ ذاك الموت كان لشخص واحد؟

هم لا يلومون القاتل إنّما يلومون المقاتل ويستنكرون فعله إذا ما كسر الحدود لكي يقاتل

يفاوضني السياسيّ: لم تقصد الطائرات قتلك

كانوا يقصفون شخصًا يحاول أخذ ثأرك

يا حضرة السياسي

تلك ليست أرضك

والكلام عن بلادي ليس حقّك

هم قتلوني قبل أن أعيش

يوم احتلوني قتلوني.

  • انسى الماضي وانسى ثأرك

ولو أصدرت صوتًا لو كتبت حرفًا

سنقتلك باسم السلام ونفضّ الإرهاب

عن شعبهم وأرضك

  • لكن عيوني زرقاء وأشقر؟
  • هل تسخر؟
  • لا، لكن هل يغفر لي هذا لأعيش أكثر

وأقول للريح غني ولشعبي اثأر والله أكبر؟

  • الحياة لكلّ البشر
  • لكنني متّ يا حضرتكم
  • ربما لأنك عربي
  • وإذا كنت فرنسيًّا؟
  • سيكون قتلك عملًا إرهابيًّا

لكنني فلسطيني؟

اسمع، أنا لا أعرف شيئًا عن طقس اليوم، لكن الأخبار تقول هناك مطر، وتقول حياة العربي خطر، وأنا أضعتُ ضميري من كثرة السفر، والمذيع قال الموت لن يتفشى ويكثر، وأنهم سيوزعون ضمائر جديدة تناسب من يدفع أكثر، وأنا مشغول الآن وعليك الآن أن ترحل.

أنا ابن غزة.. يوسف العصر الجديد

سجّل على لساني:

رأيت إخوتي يرقصون في حفلات غريبة في وقت رقص الجنود فيه بقتلي، ثمّ قالوا ذئب أكله

وفي مدرجات كرة القدم لعن إخوتي حظّهم بكرة ضائعة حين لعن الجنود رصاصة أخطأت قلبي

وكنت وحدي في وحدتي، موتي وركامي

فلماذا تلومون صراخي؟

يا رفعت لا تمت وابقَ في قصيدتي ريثما تغادر الطائرات، واحترس لو جاء الموت، وقل لي متى يجيء لكي أقول: تستطيع قتلي يا موت

لكن لن تستطيع قتل قصيدة

لن تستطيع قتل رفعت

وبلادي صفحة وشعبي قصيدة طويلة

وشعبي مقاتل وأجساد المقاتلين ذخيرة

أنا يوسف العصر الجديد

مواطن عادي لم يفعل شيئًا لكي يموت

والذئب لم يقتلني يومًا أو يراني

أنا يوسف وأملي قادمٌ ذات يوم من ركامي

والسنوات العجاف حولي ذات يوم راحلة

والبلاد ستبصر ذات يوم وفرةً أملًا وشمسًا واضحة


عن «حكايا غزة»

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.