سعد عبد الرحمن
اللوحة: الفنان الجزائري صالح المقبض
(أعدم) في اللغة فعل يعني افتقر، تقول: (أعدم فلان) أي صار فقيرا، واسم الفاعل من (أعدم) هو (معدِم) بكسر الدال، ويخطئ كثيرون من ينطقون (معدَم) بفتح الدال رغم أنه صحيح فإن (أعدم) قد يأتي لازما كما في مثالنا السابق (أعدم فلان) وقد يأتي متعديا كما ورد في “لسان العرب” لابن منظور (أعدمه غيره) أي أفقره غيره وكما ورد في “تاج العروس” للزبيدي (أعدمه الله) أي أفقره، ومصدر أعدم هو (الإعدام).
أما استخدام (أعدم) بمعنى قتل ومصدره (الإعدام) أيضا بمعنى (إنهاء الحياة) فهو يعد من الأخطاء المشهورة، وقد اشتهر وشاع حتى إنه لمن الصعب بل من المستحيل تلافيه، وقد اقر مجمع اللغة العربية هذا الاستخدام، كما أنه ورد في بعض المعاجم اللغوية المعاصرة.
وثمة علاقة وثيقة في الواقع بين (أعدم) بمعناه الأول الأصلي و(أعدم) بمعناه الثاني المستحدث فكلاهما من مادة (عدم) والعدم هو تلاشي الشيء أو فقدانه تماما.
وفي اللغة أيضا (عدم) بكسر الدال وهو فعل متعد بمعنى (فقد) ومنه قول حسان بن ثابت في قصيدة كان يهاجم فيها مشركي قريش قبل فتح مكة:
(عدمنا) خيلنا إن لم تروها
تثير النقع موعدها كداء
فحسان في البيت السابق يتوعد المشركين بمعركة يذوقون فيها الوبال على أيدي المسلمين في (كداء) وهو موقع قريب من مكة؛ ويدعو على خيل المسلمين بالعدم والفقد إن لم يتم ذلك.
وقد تسلل استخدام الفعل (عدم) ومشتقاته إلى العامية المصرية فيقول بعضهم (تعدمني إن حدث كذا أو كذا) وثمة أغنية للمطرب محمد قنديل مطلعها (إن شا الله ما اعدمك)، ويقول بعضهمّ: (فلان عديم النظر أو عديم التمييز) أي فاقده، ويصفون الطعام بأنه (عادم) إذا افتقر إلى الملح ويسمون ناتج احتراق بنزين السيارات (عادم) لأنه يفتقر إلى الأكسجين الذي نتنفسه.
***
يقول بعضهم و يكتبون: عانيت تجربة مريرة بمعنى مرة، وهذا خطأ لغوي لأن مريرة لا تعني في صحيح اللغة مرة و إنما محكمة وقوية ومتينة، ومنها قول البحتري في داليته البديعة التي يصف فيها الذئب:
طواه الطوى حتى استمر مريره
فما فيه إلا الروح والعظم والجلد