اللوحة: الفنان الهولندي فان خوخ
الشاعر المصري حمدي اسماعيل من الشعراء الرواد في كتابة قصيدة الهايكو، إذ سبق ان أشرنا في كتابنا (أنطولوجيا قصائد الهايكو العربية) الصادر عن دار مومنت في لندن 2019، بأن الشاعر حمدي اسماعيل كان له السبق في إنشاء اول نادي للهايكو على الفيسبوك عام 2010، وذلك بالتزامن مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، و في ظل عزوف الكثير من الصحف والمجلات عن نشر قصائد الهايكو آنذاك. وكان لنا هذا اللقاء معه لتسليط الضوء على تجربته الشخصية في مجال كتابة الهايكو منذ البدايات، ومعرفة واقع الهايكو العربي وموقعه الحاضر والمستقبلي في خارطة الشعر والأدب العربي. نتقدم بالشكر والامتنان للشاعر حمدي اسماعيل لإتاحة الفرصة لأجراء هذا الحوار.

- أستاذ حمدي هل يمكن أن تعطي لمحة سريعة عن حياتك وكيف تعرفت على الهايكو؟
في البداية اشكرك على هذا الحوار. . بدايتي. . انا شاعر مصري يكتب القصيدة الحرة منذ الثمانينات، كتبت بالمنتديات، ثم الفيسبوك، بدايتي مع الهايكو كانت مع كتاب اسمه رؤية شرقية، ترجمة عدنان بغجاتي، منشورات العراق الحبيب 1974، كان هذا في بداية الألفينات.
- كيف تبلورت لديك فكرة أنشاء أول نادي للهايكو على الفيسبوك وهو نادي عشاق الهايكو سنة 2010؟
أبهرني هذا النوع من الكتابة الرشيقة اللطيفة البسيطة، بعدها كنت اقرأ ما يصل الى يدي، حتى قررت في عام 2010 انشاء صفحة عشاق الهايكو، بعدما تكون لدي مادة معقولة مترجمة لكتاب عرب، أستطيع من خلالها تعريف الشعراء على الفيسبوك بهذا اللون وتقليده، و لولا ثورة مصر في بداية 2011 لتقدمنا أكثر في التفاعل، لكنني تأخرت بسبب الظروف السياسية عن البحث والتجريب، لم اتوقع ان يحوز الهايكو هذا التجاوب والانجذاب من شعراء العرب، فبدأوا بالترجمة والكتابة، وظهرت اروع مقطوعات الهايكو العربي، ثم انتشرت اندية الهايكو لكل الاحبة، وتبلور الهايكو ليصبح عربيا بعد سنوات من المحاولات، والان اصبح عربيا عالميا، وشعراء الهايكو العربي من افضل كتاب الهايكو في العالم.
- نلاحظ الاهتمام الكبير بالأمكنة المصرية فيما كتبت من الهايكو؟
اهتمامي بالأمكنة المصرية يعود الى دراستي، فانا حاصل على ليسانس الاداب في الارشاد السياحي، وعملت كمرشد سياحي، بالإضافة الى أن مصر التاريخية تجذب العيون والافكار، اينما تسير في شوارع القاهرة فأنت تطالع الحضارات والفنون المختلفة، فأصبحت عادتي ان اضم هذا الجمال الى جمال الهايكو العربي.
- ما هي أسباب ندرة شعراء الهايكو في مصر وهل يلاقي الهايكو القبول على المستوى النقدي؟
توجد قلة من شعراء في مصر عموما، وهي نفس الاسماء من سنوات طويلة لا تتغير في الندوات الشعرية، لا اقلل منهم لكنهم ينحصرون في قصيدة النثر، لم يتجازها احد، ربما شعراء العامية المصرية، هم الاجدر بحمل راية الشعر المصرية، قد لا تستطع تذكر اسماء ثلاثة شعراء فصحى في العشرين سنة الماضية، اما عن شعر الهايكو فالأسباب الاجتماعية والسياسية التي مرت بمصر الحبيبة، اثرت بالتأكيد على الشعر، بالإضافة الى كسل وضحالة ثقافة الشعراء المصريين، لكنني اتوقع ظهور الهايكو العربي على كل الاشكال الشعرية في السنوات القادمة، في مصر عندي امل بالشباب، عندما اجد الوقت قد اشترك في عمل مؤتمر للهايكو العربي في القاهرة الحبيبة.
- كيف تفسر لنا انتشار الهايكو الياباني على المستوى العالمي ويكتب بكل اللغات بينما بقيت القصيدة العموديّة العربية اسيرة اللغة العربية؟
سؤال جميل.. القصيدة العربية غنائية، تفقد الكثير من بهاءها عند الترجمة، بعكس القصائد الفارسية مثلا رغم ذلك ترجمت العديد من القصائد العمودية – لكنني لا احبها – ولا يهمني اساسا ترجمتها، وهي غير قابلة للترجمة وخصوصا في هذا العصر، اما الهايكو فيسهل ترجمته لخصائصه البسيطة، لذا انتشر و ترجم لكل اللغات.
- في قصيدة الهايكو ما الذي يقيد الشاعر تقنيا؟
تكلمت قبل ذلك عن تركيب الهايكو ونصيحتي أن نختار ما نستطيع عمله وكتابته، ربما نتقيد احيانا ببعض التقنيات كالفصول وعدد السطور، لكننا لن نستطيع الوصول – ولا يجب – الى قصيدة الهايكو كما كتبها أصحابها، كما لن يستطيع أحد كتابة قصيدة كالمتنبي مثلا. كل ما علينا هو تطوير الافكار والرؤى، ومحاولة الوصول الى الصفاء الروحي الذي يمكننا من التقاط اللحظات الحية لتخليدها في ذاكرة الكلمات.. وهذا ما اراه يحدث ونحن نسير من العفوية في الكتابة الى الاحتراف، واتمنى ان نعود الى العفوية والبساطة لأنها اصل الابداع، في النهاية لاشيء يقيد الشاعر تقنيا، ربما المترجم او الناقد المتزمت.
- هل معرفة تقنيات كتابة الهايكو تكفي لكتابة الهايكو؟
نعم تكفي… لكن تظل الروح هي الفيصل دائما في الشعر، فلا يكفي معرفتك بالبحور لتصبح شاعرا، والا كان اساتذة اللغة شعراء. عندما تتابع المنتديات تجد من يحاول كتابة الهايكو بكل الطرق مستفيدا من هذه التقنيات، واحيانا ينجح في كتابة عدد من قصائد الهايكو الجميلة لكنه يتوقف بعد فترة لأنه لا يمتلك هذه الروح الخفيفة والعين الثاقبة الصافية التي تنظر الى الحياة والاشياء.
- هنالك اكثر من محاولة لتغيير اسم الهايكو إلى مصطلح يتناسب مع الذائقة اللغوية العربية، ما رأيك بهذه المحاولات؟
محاولة تستحق التقدير نظرا للتفاني والمثابرة على تطوير الهايكو العربي وادخاله في الذائقة العربية، لكنها لن تنجح لاسباب بسيطة لها علاقة بالاسم الاول الذي انتشر عبر محركات البحث، هكذا فسرتها ببساطة، دون الدخول في مناقشات عن المصطلح، فأي مصطلح غير الهايكو العربي، قصيدة الهايكو، لن يكتب له الاستمرار.
- نجد الكثير من نصوص الهايكو أشبه بتقارير المخبر السري عن المواطنين ولا تعكس السيرة الذاتية أو البيئية لمؤلفيها؟
برغم تمسكي بحرية الكاتب عموما، والشاعر خصوصا، الا انني وجدت – عن تجربة – ان التعرض للسياسية قد يخلق بعض النزاعات بين الشعراء لذا لا احب الكتابة في شئون الاخرين – اما في الحالة الوطنية العربية فعلينا جميعا ان نشارك بالكتابة في كل الانواع الادبية المتاحة للدفاع عن اوطاننا وهويتنا العربية.
- هل أنت متفائل بمستقبل الهايكو العربي؟
بالطبع.. وقلت من قبل ان الهايكو العربي سيكون في المقدمة حتى في مصر رغم انف شعراء الندوات، اما في العالم العربي فيكفي ان تقرا لشعراء المغرب وسوريا والجزائر ودخلت العراق الحبيبة بقوة، ايضا السعودية التي دشنت ناديها الجميل.
قصائد هايكو للشاعر حمدي إسماعيل من كتابه القادم
1
بالنسبة للحلزون
الأمام
مثل الخلف
2
لونها الخمري!
آه.. أفكر
في احتراف الدراكولية
3
رائحة الخوخ
طعم الخوخ
أي شفاه بعدها تستريح
4
عيون القطة الخضراء الساطعة
لو كانت في امرأة
آه.. كانت في امرأة
5
في محطة العتبة
الجميلة الخجولة لم تنزل معها
لثغتها المغرية
6
ليلة شتائية
الأفكار السوداء لا تأبه
بانقطاع الكهرباء
7
في المترو
موسوعة الوجوه والأقفية الصباحية
طقس فتح الفم
8
صفارة القطار المفاجئة
المسافر المهموم
يكتفي برفع ذقنه
9
انترفيو
تم قبول الفستان الأحمر
المكشوف عنه الحجاب
10
تقدم العمر
فجأة بلا نظارات
أرى كل شيء واضحًا.

حمدي إسماعيل