براعم المراهقة 

براعم المراهقة 

اللوحة: الفنان الإيطالي جياني سترينو 

صبحي السلماني

بعد الكساد العالميّ الذي عصف بسوق الخرافة، وما صاحبها من خوارق ومعتقدات لاعقلانية، انطفأت جذوة فانوس علي بابا، وتبخرت من الذاكرة الآدمية حروف كان ياما كان. والشيوخ المخضبة عرانيس شواربهم ببقايا التبغ والمعفرة بالدخان ما عادوا قادرين على استدراج الصبية إلى مجالسهم التي تحكي قصص السعالي، وحوريات البحر اللواتي يبرزن في الليالي المقمرة على شواطئ الأنهر متعريات. 

ولم تعد قصور الجن السامق بنيانها، بكنوزها، وجيادها المطهمة، وأميراتها الحسناوات قمة طموحهم، ولا غاية مبتغاهم.

حين وجدوا أن العالم بأسره ليس أكثر من قرية صغيرة من خلال الوسائل المتاحة للتواصل الاجتماعي، وهم يهيمون عشقاً في هذا العالم الوردي ويوغلون تيهاً فيه، وجدوا أنفسهم أبعد ما يكونون عن تلك الأجواء العتيقة، وما يكتنفها من قرف.

والمتقولات من النسوة هُنَّ الأخريات قد بارت تجارتهن؛ فمن لم تستطع اللحاق بركب الحداثة، ولم تنجح في استقطاب حفيد لديه القدرة على تقبل بضاعتها المزجاة، دفنت غيضها في صدرها واحتسبت إلى الله. 

صفية واحدة من تلك النسوة اللواتي وقع عليهن (الحيف)، وهذه الـ (صفية) ربما تختلف عن غيرها من الصفيات، أقصد الجدات، من حيث القدرة على تصريف الأمور وإدارة الأزمات. والحفيد الذي نشأ في كنفها بعيداً عن الأجواء الأسرية الحقيقية هو الآخر يختلف عن غيره من الأحفاد من حيث التصرف والسلوك.

 بعد وفاة ابيه وارتباط أمه برجلٍ آخر، لجأ إلى الجدة التي لم تجد بداً من احتضانه ورعايته، وعلى قدر ما تسمح به الظروف كانت تحاول جاهدةً أن تلبي جميع احتياجاته. 

لكن هذا الحفيد رغم كل التدابير والتحوطات التي اتخذت من أجله، ما إن بلغ الحلم حتى غاص إلى حد (الهوس) في عالم السوشيل ميديا، وهو غير ملوم؛ لأن الجدة التي لا تريد له أن يغيب عن ناظريها قد فرضت عليه حصاراً خانقاً فعاش وحيداً بليداً مسترخياً، بلا إرادة… بلا أصدقاء… بلا رفقاء، هذا سافل، وذاك منحط، وأولئك كلاب… 

وبالنتيجة فكل الذين في سنه ذكوراً كانوا أم إناثًا حسب وجهة نظرها، هم سفلة، ومنحطون، وأولاد كلاب…. هذا ما كانت تصرح به في الأقل بعد أن هجرت القرية ونزحت إلى المدينة. فصار الهاتف بالنسبة له هو الصديق والرفيق، والرئة التي يتنفس من خلالها عبق الحرية، فلم تكن بحاجة إلى من يخبرها بأن قدم حفيدها المفتون بهذا العالم المكتشف تواً، قد جُرّت وسلك طريق اللاعودة. 

صحيح أنه لم يسوّف لها طلباً، ولم يسفّه لها رأيًا، ولم يشق عصا الطاعة بعد، لكن يكفي أنه يأوي إلى غرفته في وقت مبكر، ويغلق الباب خلفه، تاركاً إياها وحيدة مع التلفاز الذي لا يأتي إلا على الأخبار المعتقة، والمسلسلات الهندية التي لا قُبلةٌ فيها تسر الخاطر، ولا يموت فيها بطل فيؤسف عليه. 

ولأن الوضع بهذه الكيفية أصبح لا يطاق. وبعد تفكير عميق وجدت أن نمط حياتها لا يمكن أن يستمر في هذه الكيفية والرتابة، وأنه بحاجة إلى فرمتة وإعادة تحديث.

وقفت قبالة المرآة، وأجرت مسحاً كاملاً لجميع الأسلحة التي تحتاجها في معركتها المرتقبة ضد الشيخوخة، وضد قطار العمر الذي لا يحيد عن مساره وليس في نيته أن يتراجع. 

 وفي معرض تقييمها وجدت أن بعضًا من تلك الأسلحة قد أصابه ما يسمى بالضمور لعدم الحاجة، وهي في طريقها إلى الاندثار. والبعض الآخر أعطب بالكامل، ويجب تصفيره، وإخراجه من الخدمة. 

وما تبقى من أسلحة بحاجة إلى ترميم أو سمكرة حتى تعود إلى الخدمة وتعمل بنفس الكفاءة التي كانت تعمل بها من قبل أو دون ذلك، وإذا لم يجدِ الترميم ولا السمكرة نفعًا، فأبواب الأطباء مشرعة؛ ففي الوقت الذي لا يتطلب فيه إزالة الشعيرات التي نبتت في الآونة الأخيرة على شفتيها، ومثلهن على ذقنها إلا إلى قطعة خيط أو ملقط، وتجاعيد الشيخوخة والتغضنات التي تشوب صفحة وجهها بحاجة إلى سمكرة ودهان. 

وأما عن الماء الأبيض الذي بدأت أعراضه تظهر بشكل جلي في سواد عينيها، فلا يمكن علاجه إلا بواسطة التداخل الجراحي. 

وحتى تديم الزخم وتمضي قدماً في معركتها، وجدت نفسها بحاجة إلى شخص ما يتكفل بتقديم الدعم اللوجستي، فقد قررت أن تترك هذا الأمر، ولو بشكل مؤقت إلى الحفيد لقاء شيء من المكاسب، ورفع بعض من القيود والمظالم عنه. 

عندما حانت ساعة الصفر ودقت طبول الحرب، وهي تضفي على وجهها سيماء الارتباك والخجل، استدعت الحفيد إلى غرفتها، وطلبت منه أن يأتيها بهاتف نقال،

قابل طلبها بابتسامة مرتبكة وعينين مدهوشتين قبل أن يسألها عن حاجتها للهاتف.

– الهاتف يا ولدي ينبهني إلى مواقيت الصلاة، ومن خلاله – بعد أن ألم الوجع بمفاصلي، وأفقدني القدرة على المشي، وتخطي عتبة الدار – يمكنني أن أبقى على تواصل مع صويحباتي. 

ولكونها صاحبة رأس المال، والمدير المفوض في المؤسسة التي لا تضم إلا إياه، لم يجد بداً من الانصياع لأمرها وتنفيذ طلبها. 

أتى لها ب(صرصور)، وحين رفضته، استبدل (دبدوبًا)، وكلاهما جهازان صغيران وبدائيان، ولا يتضمنان أية برامج.

وحتى تضع حداً للنقاش الذي لا تريد له أن يستمر، سحبت (الدبدوب) من يده، وضربت به عرض الجدار، فسُحقت مفاصله وتفككت أجزاؤه، وهوى على البلاط جثة هامدة. أشاحت بوجهها عنه وبنبرة صارمة قالت: أريده على غرار الجهاز الذي معك… هل سمعت؟ على غرار الجهاز الذي معك.

ولكي لا تفقد القدرة على قول كلمة الفصل بين التأوه والنهنهة، وهي تضغط بكلتا يديها على صدرها المجرد من أي معلم أنثوي وتتنفس بعمق، قالتها ولكن بشكل مقتضب: لا تجعلني أفقد السيطرة على أعصابي، وأخرج عن طوري ياولد. وإلا…… وإلا…!

 تلك المفردة اللعينة، كانت ولم تزل كالسيف مسلطة على عنقه، وحتى لا يجد نفسه تحت طائلة قانونها الصارم، وافقها الرأي على مضض بيد انه لم يقتنع. 

بعد أن أصبح الهاتف في حوزتها لانت عريكتها وتغير سلوكها نحوه، فصارت تتودد إليه َوتحدثه بلطف. ولأنه يعرف بأن هذا التحول المفاجئ الذي طرأ على سلوكها نحوه لا يمكن أن يكون بلا ثمن. لم يتفاجأ حين داهمته في ساعة متأخره من الليل وهي في وضع مرتبك وطلبت منه أن ينشئ لها حساباً. لم يتردد، ولم يمانع: لأن الموضوع بالنسبة له أصبح موضوع ربح وخسارة… لغة أرقام، ماذا يمكن أن يجنيه من مكاسب إذا ما سار على هوا هواها؟ وماذا سيفقده إذا ما رفض؟ أنشأ لها الحساب، وتوج صفحتها بصورة لا أحد يعرف من أين أتت بها. الصورة لفتاة (صاكة) ولا تشبهها في أي شيء، هي تدّعي أنّ الصورة صورتها، التقطت أيام زمان عندما كانت (تهد وفي يدها ود)، والواقع يقول غير ذلك؛ لأن الصورة لفتاة حاسرة الرأس، وهذا غير وارد في المجتمعات القروية التي تُلزم الفتيات اللائي في سنها بإخفاء شعورهن، هذا من باب، ومن باب آخر لو كانت على هذه الدرجة من (الصكوكية) كما تدعي، لجرد أهل القرية مناجلهم، وتمنطقوا بخناجرهم وأعلنوا النفير العام. 

وحتى بعد وفاة جده، ورغم أنها لم تنجب منه إلا طفلًا واحدًا والذي هو ابوه، لم ينظر في وجهها أحد، ولم يتقدم لخطبتها لا عازب ولا متزوج، كل السهام قد أخطأتها، لأن الذي تناهى إلى سمعه من جاراتها وهن يتعايرن معها ويتقاذفن الألفاظ الشنيعة في محفل خصام، يوحي بأنها عندما كانت (تهد وفي يدها ود) – على حد قولها – تحمل من القبح ما يكفي لعشرة نسوة بالكمال والتمام.

قبل أن تبرح غرفته وتأوي إلى مضجعها، لم ينس أن يحذرها من مغبة الدخول إلى بعض المواقع التي تعرض برامج وأفلامًا غير لائقة…..، فدخلتها. 

وحذرها من الهكرية الذين يمتلكون من المهارات ما تمكنهم من اختراق الأجهزة وحذف الملفات، ولكن من يدري؟ لأنها تريد أن تخوض غمار التجربة كاملة غير منقوصة، ربما كانت تتمنى لو أن أحدهم اخترق جهازها وهكّر صفحتها. 

 وأوصاها بعدم التعاطي مع (الزواحف) وخاصةً أولئك الذين يلوذون بصور وأسماء مستعارة……، فتعاطت معهم وانحنى ظهرها من أجلهم، وأرجأت صلاة العشاء إلى ما بعد منتصف الليل وصلاة الفجر إلى ما بعد الظهيرة بسببهم. 

وباعتبارها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المنظومة (الفيس بكية)، وواحدة من مريديها قررت أن تنتهج نهجاً أكثر عقلانية من حيث الأسلوب وطريقة التعامل، وصارت تنتقي العبارات المهذبة أثناء الحديث وخاصةً مع الحفيد الذي يُعدّ بوابة الدخول إلى عالمها الجديد، وصندوقها الأسود الذي يحفظ كل أسرارها، ومستشارها الذي يوافيها بكل شاردة وواردة. 

ولكونها لم تحض بمستوى معين من التعلّم يؤهلها لأن تعتمد على نفسها، صارت تستأنس برأيه، وتسأله عن كل صغيرة وكبيرة. 

– أي عزيزي ماذا تعني تلك المفردة التي لا تكاد تغيب عن العين… منور… منور…. ومتى تستخدم؟ 

ولأنه هو الآخر ليس ضليعاً في اللغة. رد بشكل مقتضب: لا أعرف لها معنى محددًا، لكنني أعرف أنها تستخدم للرد على أولئك الذين ينشرون صورهم الشخصية على صفحات التواصل. 

– وماذا عن تلك الحروف المتشابهة التي تبدو وهي تتشبث بمناكب بعضها البعض كأنها دودة قطن؟ 

– حسب طولها يا جدة، القصيرة منها تعبر عن الابتسامة والطويلة تعبر عن الضحك. 

لحظتئذ، وهي تفرك راحتي يديها بعضهما على البعض لم تستطع أن تحبس ضحكةً انفجرت من كل أساريرها، ولم تتوقف عنها حتى صارت تسعل والدموع تتناثر على خديها. 

ارتاب الحفيد من تصرفها الصبياني وضحكتها التي أتت في غير وقتها، وصار متيقنًا من أن الجيل الثاني من براعم المراهقة قد خرج عن صمته ليعلن عن نفسه من جديد. 

لم يمضِ مزيدٌ من الوقت قبل أن يتنبه (الزواحف)، ومن كلا الجنسين إلى صاحبة الصورة، وأنها (صاكة) حسب ما تقول الصورة، انهالت عليها طلبات الصداقة ومن كلا الجنسين، وهي بدورها موافق… موافق… وفي غضون أيام قليلة صار عندها من الأصدقاء والصديقات ما يربو على ألف الصديق، وهذا كثير، كثير جداً بالنسبة لها ; لأن إمكانية التعاطي مع هذا الكم المرعب من الأصدقاء أمر مستحيل. فبدأت بحملة ترشيق ظالمة. وهي تلغي الصداقة مع هذا وتحضر تلك. كانت أبعد ما يكون عن الحيادية، وكانت تستهدف العنصر النسوي أولاً ثم الذكور. وفي اليوم التالي وجدت أن العدد ما زال بحاجة إلى ترشيق، فرشقت… ثم رشقت، ولم تبق إلا على زمرة ذكورٍ ضالعين في نصب الفخاخ. ولكي تديم الوصل معهم، صارت تنفق الليل كله وثلاثة أرباع النهار، حانية الظهر مكبة الرأس على الهاتف دون وازع أو رقيب، تكتب لهذا وتكلم ذاك. فإذا كان الوازع قد عُطل، فمن عساه أن يأخذ دور الرقيب؟ 

الحفيد الذي ألجمته وصار غير مسموح له أن يلج غرفتها إلا حين تستدعيه لفض الاشتباك مع الأصدقاء إذا ما حصل؟ أو حينما يُخترق حسابها من قبل أحدهم فيعيده؟

أو جاراتها المنغمسات في متابعة أخبار الحيض والحبل والنفاس، وحتى لو كُنَّ غير منغمسات فثمة عداوة تفصلهن عنها تمتد لعشرات السنين. 

وأما الحديث عن الصديقات، فهو محض افتراء، لأن كل النسوة اللواتي في سنها قد بليت عظامهن وطويت أخبارهن، ومن بقيت منهن على قيد الحياة، صارت تعاني، وفضلًا عن السكري وضغط الدم، فهناك من يعانين من الزهايمر أو الخرف…. ليس لها صديقات، تلك فربة افترتها كي تحفظ ماء وجهها عند حفيدها حين كانت تراوده وتطلب منه أن يشتري الهاتف. 

وربما لأن شياطين الحب هي من تتحكم بعدادات السرع للعلاقات التي تولد من رحم وسائل التواصل الاجتماعي، وفجأة وجدت نفسها تقفز من فضاء الصداقة الافتراضية إلى دوامة الحب الملحمي، دون أن تدرك الكيفية التي استطاع بها هذا الحب أن يجد له فرجة ويتسلل إلى شغاف قلبها.

لكن ما الضير في ذلك؟ ها هي صارت تقترب من الهدف الذي قاتلت من أجله.

في الساعة كذا من اليوم التالي، اتفقت مع أحدهم على أن يلتقيا في الحديقة العامة التي يؤمها العشاق من مختلف المشارب. وحتى لا يخطئا بعضهما اتفقا على أن يرتدي كلٌ منهما قميصاَ أزرقَ، ويضع على صدره وردة حمراء. 

وهي تضع عباءتها على كتفيها، جلست محتشمة على أحد المقاعد التي تتسع لثلاثة أشخاص عندما يكونون من جنس واحد، ولشخصين فقط عندما يكونان من جنسين مختلفين. 

ولأنها تعاني من قصور في النظر بسبب الداء الذي ألم بعينيها، ولم يسعفها الوقت كي تجري العملية الجراحية وتزيله، فقد كانت تظلل عينيها بين الحين والآخر براحة يدها، وبطريقة مضحكة تدفع ذقنها إلى الأمام، وتحدق في الوجوه، وتتمعن في القمصان كلما تناهى إلى سمعها صوت، أو مر من أمامها بشر لعلها تعثر عليه لكن دون جدوى. ولكي تمنحه فرصة لعله هو من يتعرف عليها، بين الحين والآخر صارت تتعمد إزاحة العباءة من على كتفيها، وبقيت على هذه الحال، تزيح العباءة مرة وتحدق مرات، إلى أن اختلط الظلام وذبلت الوردة، وصار الناس ينفضون من حولها، حينها أيقنت بأنه لن يحضر، لكن من يدري؟ ربما يكون قد حضر، وحين وجد أن البضاعة رديئة وغير مطابقة لمعايير الجودة، عاد من حيث أتى وكأنه لم يحضر.

وعلى طريقة أفلام هوليوود الرومانسية نزعت الوردة من على صدرها وتركتها على المقعد.

وعلى أمل أن تتصل به وتعنفه، وهي تستشيط غضباً قفلت راجعة الى دارها. 

في الطريق هدأت بعض الشيء وإلى حدٍ ما خفت فورة غضبها، ومع كل خطوةٍ تخطوها صارت تلتمس له عذرا، هكذا هو ديدن العشاق، يفتشون عن الأعذار التي تجبر زلّات معشوقيهم. 

وما أن دلفت إلى حجرتها حتى وجدت أن حصيلة الأعذار التي في جعبتها كافية لتبرئة ساحته، ولكن حين حاولت أن تتصل به ووجدت صفحته قد اختفت، عرفت الحكاية. 

 وهكذا كل يومين او ثلاثة أيام يتكرر المشهد نفسه مع صديق، تنصب الفخ وبجفل العصفور، (وكأنك يا أبو زيد ما غزيت). 

ورغم كل الانكسارات لم ترفع الراية البيضاء، ولم تستسلم، كانت مقتنعة بأن الحرب سجال، كر وفر، وأن الصمود يصنع النصر.

ولأن الاقدار على ما يبدو قد تنبهت لمعاناتها وشاءت أن تضع حداً لها، وذات يوم، وفي الوقت الذي كان فيه الحفيد على موعد مع فتاته بعد أن تُرك له الحبل على الغارب من قبلها وصار بإمكانه أن يؤسس لعلاقات في نفس الحديقة التي لا يوجد سواها على ما يبدو، لمحا من بعيد شيخًا نحيفًا هرمًا يجلس على مقعد يكاد يكون مخفياً خلف شجرة، وإلى جانبه امرأة عجوز لا تقل عنه نحافةً ولا هرمًا، كانا يلتصقان بعضهما حد الذوبان، فبدوا، وهما على هذه الحال كأنهما فرخا دجاج تم تغطيسهما ببركة ماءٍ في منتصف تشرين، وعلى قدر ما أصابهما من قرٍ صارا يلتمس الدفء أحدهما من الآخر.

وما أن اقتربا منهما وتبينا لون قميصيهما والوردتين اللتين على صدريهما، حتى شهقت الفتاة واعترفت بأن هذا الشيخ هو جدها، أما هو فلم يشأ أن يصرح لها بشيء قبل أن ينجلي غبار المعركة. 

في وقت متأخر من الليل، وحين عادت الجدة، وهي تدندن مع نفسها في أغنية عاطفية، كانت تتمتع بحيوية لم يألفها الحفيد من قبل. 

حينها فقط أدرك بأن خريف العمر رغم قساوته لم يأتِ على جميع أوراق أنوثتها بعد، وأن الجيل الثاني من براعم المراهقة قد تفتحت وأزهرت، وعما قريب ستُقطف ثمارها.


الصاكة: الفتاة خارقة الجمال في اللغة المتداولة عند بعض الشباب على الفيس

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.