معاناة المرأة وهمومها في قصاصات هيام علي الجاويش

معاناة المرأة وهمومها في قصاصات هيام علي الجاويش

اللوحة: الفنان السوري حمود شنتوت

لكل كاتب زاوية رؤيته، وأسلوبه الخاص في تناوله لأفكاره وطرحها على الآخرين، ولكل كاتب الحرية في اختيار الثوب الأدبي الذي يريد أن يخرج نصه فيه، والموضوع الأسمى الذي يؤرق وجدانه فيسيطر عليه؛ فلا يجد من مناص غير أن يتلبسه فلا يجد قلمه إلا نازفا في هذا الاتجاه دون غيره حتى يكتفي.

وفي قصاصات هيام علي الجاويش، تتجلى معاناة المرأة، وهمومها، وصراعها مع المجتمع والسلطة بكل أنواعها وبكل قسوتها.

تقول هيام: «جميلة تلك الأشياء التي نستطيع التعبير عنها، وجميلة تلك الأحاسيس التي لا نستطيع التعبير عنها إلا إنها تعبر عنا.. وها هي قصاصات ضمنتها بعض وجداني وصرخة امرأة للحياة، صرخة إن لم تصل أعتذر لأنها لم تكن كافية.. فإن كَثُرت الخيبات والإحباطات، وإن غدر الأصدقاء والرفاق، وإن تخلى الأهل والأحباب فإننا لسنا الوحيدون في مواجهة كل هذا التخلي»

تمثلت «هيام علي» في تلك القصاصات وجود صديق قريب في حياتها، ينادمها وتنادمه، وهو يسمع كثيرا، لكي تحكي هي أكثر، تعبر عما في صدرها – صدر كل امرأة – من حزن وهم واضطهاد تتعرض له، ومن ألم وفقد وحنين لكل ما تراه جميلا وتخلى عنها في هذه الحياة، وهي لا ترجو من هذا العالم إلا محض احتواء وتفهم، وكأنها تقول مع المثل الصيني: «أحبني عندما لا أستحق ذلك، فأنا بحاجة إلى حبك في ذلك الحين أكثر» 

تتابع الكاتبة في تلك القصاصات إرسال الرسائل لصديقها المقرب الصامت الواعي، المتفهم لها ولمشاعرها ولرغبتها في أن تحكي مواجعها كامرأة لرجل يستطيع أن يرى ويشعر ما تستشعره: « صديقي.. سأنتقي كلماتي من قاموس العذاب، وحروفي من نبض الوهن، وتنقيطها من الشرايين النازفة، أما ترقيمها فعلامات استفهام واشارات تعجب، لماذا؟ لأن الشمس تغرب لي وتشُرق عني! سأبدأ بالشكوى ثم التوجع ولاحقا بالألم وبالرفض لكل شيء, الرفض للشيء والنقيض، للحب والكره، للحياة والموت» 

تنساب شكواها المتضمنة للتوجع والألم والرفض – كما أشارت – لكل ما هو غريب ومستهجن من تعاملات إنسانية، وهدم للعلاقات، وخيانة للمشاعر، ونكران للجميل: « قربتها، اقتربت مني أكثر، قارنت نفسها بي، كادت لي، خانتني.. غازلت زوجي، تقربت منه، حاولت إبعاده عني! كرهتني وأنا مَنْ أحبها وأشفق عليها، أساءت لي وأنا من أحسن إليها»

تتألم مع من لم يعطها القدر نعمة الأمومة، فهذا أمرلاهو بيدها لتقتنصه، ولاهوبيد طبيب فيعالجه، هي الأقدار وحدها تصنع تعاستنا، ويزيد الأهل فوق ذلك قهرا، ويمعن المجتمع في ترسيخه وإذكاء ناره: «ألصقت الأوراق على الجدران وفرشتها على الأرض دائرة ووقفت بالمنتصف، دارت وشرعت تقرأ ما كتبت، عاقر، عاقر، عاقر، عاقر.. تحسست بطنها من جديد فكم أرهقته من كثرة الحمل الكاذب والولادات, نظرت الى حضنها وبيتها الخاوي وصرخت: عاقر نعم أنا عاقر! خذوا عمري، خذوا ما شئتم، فقط أمنحوني لفظة أمي، أو احذفوا من القاموس كلمة عاقر»

وإن كانت هذه المرأة تسعى لاهثة خلف الأمومة، وتطلب عطاء محمودا، فهناك من أعطيت، وكان العطاء وبالا ونقمة، ومدعاة مفسدة، فها هي زهرة تستغل حسن الرعاية والثقة؛ لتعود متأبطة عشيقا تفرضه على الأهل فرضا: «وبدأت معركتها مع من سقوها الدلال، وبما أن الدلال كالدواء فقليله نافع وكثيرة ضار، فقد أضر بها وأصبحت تحتاج للكثير من الوقت والجهد من أجل استعادتها، فالسمعة باتت على المحك وهناك مجتمع لا يفهم ولا يتفهم ولا يرحم»

وها هي تعيش مع المرأة انكساراتها وتوجعها ومعاناتها بعد أن أحبت ووثقت فقوبلت بالخيانة، وما أكثر تلك النماذج في الحياة، فها هي الزوجة التي أخلصت؛ فقابلها الزوج بوجود أخرى وكأنها كانت نزوة في حياته: « كانت تتمنى – رغم كل ما حدث– أن يضمها بين ذراعيه، أن تلقي برأسها على كتفه لينفض عنها غبار الانكسار.. خرجت تاركةً خلفها ثيابها وزينتها.. سكينتها وراحة بالها وحبها، ضجيجها.. ألمها.. فرحها.. حزنها ، لكنها تركت نظراتها معلقة على وسادته، ربما لتتجسس عليهما في خلوتهما»

وهذه المسكينة التي دامت خطبتها سنوات مع وعد بالزواج، ثم هاهو يغدر بها، ويفتعل الخلافات لأن غيرها استطاعت أن تسرق ببريقها عينيه؛ فسعى خلفها غير عابئ بمشاعر تعلقت به وآمال بنيت على وجوده، وهي مجبرة في النهاية على قبول الواقع، والتحلي بالجلد والقوة: « لا تظهري ضعفك لأحد، يجب أن تباركي للعروسين بوجه مشرق وتتمنين لهم السعادة.. عانقت العروس وهمست في أذنها بكلمات التهنئة،وعندما وضعت يدها في يد العريس لتبارك له نظرت في عينيه ولم تستطع أن تقول أية كلمة، رسمت إبتسامة حمقاء مدارية ألما فاض من عينيها.. سحبت يدها من يده ونسيت أن تسحب زيول خيبتها»

مأساة أخرى لزوجة وزوجها في مقتبل الحب، تحملت مضايقات أهل زوجها ومحاولاتهم التي نجحت أخيرا في النيل من حبهما، فصرفوه عنها لزوجة ثانية، ثم عذبوها بأولادها، وكلما لجأت لمن يعينها كان عونا عليها، فلا مكان للمرأة إلا بيت زوجها وحضنه حتى لو كان شوكا، المجتمع والشرع معه، فعلام شكواك؟ فلم تملك إلا أن تعود صاغرة مقهورة راضية بما يلقيه من فتات: «كانت منتظرة كلمة واحدة، عودي، فعادت منغلقة على ذاتها، معتذرة، معترفة بخطئها، ولم يعد هناك حلم يتشظى، فتكسّرت هي وتشظّت، مردّدة: الرجل له كل شيء ويحق له كل شيء، أمّا هي فلها كل التضحية، تضحيةٌ لا يقاسمها بها أحد»

وهنا تتحاور الكاتبة مع صديقها – الرجل – وتتساءل بأسى: «صديقي.. الحياة واسعة وعظيمة، لماذا يستأثر بها الرجال وكأنها ستنضب؟ الحياة ممتعة بالمشاركة، لم يَحرم الرجل نفسه من هذه المتعة ويظلم من أحبوه؟»

عزيزي الرجل في كل مكان، هل ثمة إجابة يمكن أن تجد طريقها إلى هنا؟

هل ثمة حل لتلك المآسي التي تسببت في معظمها وحدك دون غيرك متسلحا بالمجتمع ومتدرعا بالدين؟ 

هل قال الله حقا ما تقول؟ وهل حثك وسلحك بكل تلك الأسلحة الظالمة؟

هل تملك جوابا.. عزيزي الرجل؟

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.