توهم الإنسان بالأبدية

توهم الإنسان بالأبدية

اللوحة: الفنان الجزائري صالح المقبض

ماهر باكير دلاش

توهم الانسان بالأبدية، يزيد الإحباط بقدر ما يخفضه، وشعور المرء بأنه مخلد أبدي يجعل منه انسانا سقيما في عقله؛ ففرعون قال “أنا ربكم الأعلى” فأين هو الآن؟ ابتلعه البحر ولم يستطع – مدعي الألوهية – أن يمنع جندي من جنود الله، وابن أبا لهب أكله السبع ولم يستطع أن يحرك ساكنا لأنه أمر من الله وكذلك النمرود قضت عليه حشرة صغيرة.

لا شك أن المسلمين اليوم محاطون بالظلام، والحقيقة القائمة أن الذين يخافون محيطهم لا يفكرون في التغيير مهما كان وضعهم بائساً، وهذا الخوف يجعل نمط حياتنا مضطرباً واهياً الى درجة تمنعنا من التحكم في ظروف معيشتنا، فسبيلنا الاحتماء بما هو مألوف، إننا نقاوم شعورنا بالخوف بإخضاع وجودنا لروتين ثابت يقوم على ما يمليه علينا الآخرون، ونوهم أنفسنا أننا نستطيع بهذه الوسيلة مواكبة ما يسمى بالحضارة والتطور وتجنب اي مفاجآت.

إن توافر حرية الاختيار تضع اللوم كله على عاتق الفرد؛ فماذا إن كان الفرد خاويا من قيمه ومبادئه؟ ولا أشكك أبدا في أن الحرية تساعد على تكرار المحاولة، ولكنها أيضا تساعد على تكرار الفشل وما يتبعه من احباط.

الإحباط يبدو جليا عندما نملك الكثير، ونريد المزيد، وهذ يفوق إحباطنا عندما لا نملك شيئاً ونريد القليل، ونحن أقل تذمراً حين نفقد اشياء كثيرة منا، حين لا نفقد إلا شيئاً واحداً مثل الكرامة!!

إن الكثير ممن كانوا دعاة للحرية المطلقة، وكانوا أكثر الناس صراخاً في سبيلها، كانوا أقل الناس سعادة في مجتمع حر كما يقولون. كانوا محبطين تحاصرهم عيوبهم، فمنهم من مات منتحرا، ومنهم من قضى منعزلا يعزون فشلهم الى القيود والمعوقات الخارجية، إلا أنهم في حقيقة الأمر، يتمنون أن يزول مناخ الحرية المطلقة غير المقننة، ويودون إلغاء الحوار الحر وما ينتج عنه من امتحان دائم للفرد في المجتمع المفتوح!

إن الإيمان بقضية مقدسة هو – إلى درجة كبيرة – محاولة للتعويض عن الايمان الذي فقدوه بأنفسهم؛ فإحساس أي مجتمع مفتوح بعيوبه ونواقصه يجعله يرى سوء النية واللؤم والتخلف عند كل المجتمعات.

يريدوننا منبوذين ومهمشين لنكون المادة الخام التي يصنع منها مستقبل حضارتهم؛ فبوسع الكراهية المتقدة أن تمنح الحياة الفارغة معنى وهدفاً، وهم بلا شك يعانون تفاهة حياتهم فيعمدون الى البحث عن معنى جديد، لا عن طريق اعتناق قضية مقدسة فحسب كما يدعون، بل باحتضان فكر متطرف ليعم الظلام!!

المشكلة أنهم ينظرون إلى العقل الاسلامي من زاوية ضيقة داخل نطاق العقيدة وهذا بغيض على مدى تاريخ الإسلام؛ فالإسلام دين صالح لكل العصور والأزمان، لذلك فان المواقف العقلانية التي ظلت هامشية على مدى هذا التاريخ يتعين اكتشافها من جديد أو على الاقل تنشيطها ثانية لاستخدامها الآن كشواهد وبينات تاريخية على وجود تأويلات بديلة، وينبغي على المفكر المسلم الحديث أن يحتاط لنفسه جيداً، ويجهز نفسه علمياً بشكل لا غبار عليه فيطلع على كل ما يخص معرفة النصوص القديمة والشروط التقنية للاجتهاد الكلاسيكي.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.