وصفة علاج

وصفة علاج

اللوحة: الفنان البريطاني لنكولن سيليجمان

مارا أحمد

– حجزت موعد اليوم باسم منيرة سامح؟

– نعم سجلت الاسم، تفضلي اجلسي حتى أناديك.

بعد ربع ساعة دخلت الطبيبة العيادة، لوحظ أنها نزلت من المصعد، يبدو واضحا أنها تقطن بنفس العمارة. 

نادت الممرضة على اسم منيرة، لترد وتدخل العيادة.

– أهلا منيرة، أنت أفضل الآن؛ وجهك بدا عليه التحسن.

– نعم، الحمد لله، الفضل بعد الله يرجع إليك؛ فلقد تمكنت من اكتشاف مرضي رغم ندرته، وبعد أن ترددت على أكثر من طبيب وعيادة، أنت طبيبة ماهرة ومجتهدة. 

– المهم أن تلتزمي بالجرعة المكتوبة وسنستمر عليها لمدة شهرين كاملين.

– لقد قلت لي إن العلاج لمدة عامين فقط.

– أعرف، لكن لا بد أن نواصل الجرعات حتى نتأكد من أن البكتيريا خمدت تماما. 

– خمدت؟ ألم أُشفَ؟

– البكتيريا لا تموت بل تخمد؛ هناك علاقة عكسية بينكما، إن قوي جهاز مناعتك ضعفت وخمدت، وإن ضعف جهاز المناعة قويت هي وسيطرت على جسدك، وهذه المرة سيطرتها ستكون أقوى لأنها ستتحصن ضد الدواء، انتبهي، لا بد من التغذية الجيدة.

 يقطع استرسال كلام الطبيبة رنات للتليفون متواصلة، تجيب الطبيبة: 

– نعم حبيبتي. الطعام ساخن بالميكروويف، والعصير بالثلاجة، بعد الانتهاء من العيادة سأصعد لمراجعة الساينس معك. لا، لن أتأخر.

تغلق سماعة التليفون وتواصل الحديث مع منيرة:

– أعتذر عن المقاطعة؛ فلقد صارت بيننا علاقة أقرب للصداقة منها علاقة مريضة بطبيبتها فلنا معا أكثر من عامين.

– بالفعل، لكنني أرى أنك ترهقين نفسك بشكل مبالغ فيه؛ فأنت تعملين بالعيادة وتحضرين للدكتوراه وتتابعين البيت وأبناءك، كل هذا؟

 – تعلمين أن زوجي طبيبا، ومازال يحضر للدكتوراه مثلي، وتقريبا لا أراه؛ أغلب الوقت ما بين المستشفى العام وعيادته والمذاكرة وأنا مثله، ولكن مازال البيت مهمتي الأولى والأولاد ولن تنوب عني لا مربية خاصة ولا جليسة أطفال، ومدارسهم مكلفة للغاية، ونحن مازلنا نبني حياتنا، والميزانية لن تتحمل دروسا خصوصية كما وأنني لا أثق إلا بنفسي في تربية أولادي. الحمل ثقيل ولكن نحن في مجتمع أهله يتفننون في إلقاء العوائق بالطريق أمام النساء، فلا هم يتركونها تكمل رسالتها ولا هم يساعدونها، ولابد أن أتكيف مع الواقع وألا أضيع الوقت في الشكوى؛ أبذل ما أستطيع من وقتي وصحتي وعلمي حتى أحقق ما أحلم به، ربما لن أتقن كل أدواري ولكن لن أتهاون في تحقيق أعلى نسبة نجاح في عملي وحياتي. لذا فتحت العيادة في نفس العمارة التي بها بيتي حتى أتمكن من متابعة أولادي، وكلما برز عائق أفكر في طريقة لإزالته؛ فلا وقت للشكوى.

– أحييك دكتورة على بسالتك وعلى شجاعتك؛ قليلات من هن مثلك.

– بل هن كثيرات؛ كل موظفة وكل عاملة وكل معلمة أو طبيبة أو حتى بائعة تمر بما أمر به من عوائق وضغوط ومشاكل ويتغلبن على كل ذلك؛ لأن المرأة مخلوق مثابر وقوي، وخير دليل أنت. 

– أنا؟

– نعم أنت. لقد تحملت مرضا مرعبا وعلاجه القوي المجهد، ورغم ذلك لم تستسلمي وواصلت عملك ومتابعة أولادك، ولم أسمعك تتأففين أو حتى تعترضين.

قوة أيمان وعزيمة، وكذلك فهمك أن ما بين أيدينا هو أمانة لا بد من الحفاظ عليها وتأديتها على نحو يرضي ضمائرنا؛ فالأبناء أمانة والزوج أمانة والعمل أمانة ومصالح الناس وصحتهم أمانة، لقد كنت أنت خير دافع لي لتحدي ظروفي وتذليلها بالصبر والتفكير لا بالاستسلام والشكوى، أنت من ألمهني القوة والتحدي. 

منيرة، كنت الطبيب الذي وهبني العلاج دون أن يقصد، أراك بعد شهرين تكونين قد أتممت علاجك وتم شفاؤك، وأشكرك على الروشتة التي كتبتها لي. 

– أشكرك على كل شيء دكتورة.

خرجت، وفتحت الباب لمن يليها من مرضى.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.