اللوحة: الفنان البولندي باول كوزنسكي
محمد محمود غدية

الوحدة لها ضجيج يصم الأذن، يتشربها المرء حتى الثمالة، الشمس تتوارى خلف السحب الرمادية، في سماء شتاء ضبابي شاحب، سيل ماطر من بين رماد السحب، أحال تراب الطريق إلى وحل وطين، دلفا إلى أول مقهى صادفهما، اتقاء للبلل، يطيل النظر الى خدها، يتأمل شامة هي ليست بشامة، لكنها قبلة احترقت في سعير لونها القمحي.
جميلة مثل كتاب تقرأ فيه عالم شاسع من الأحلام والخيالات، روضة مليئة بالأسفار والحكايات والأغنيات، إذا رقت لها، فتحت لك خزائن الدنيا، وعلوم السحر والجان، وأبواب المغامرة والمعرفة بروعة أخاذة.
رمق كل منهما الآخر، بشيء من الخجل والمواربة، لا بأس متسللا إلى عينيها التي يود السباحة فيهما، لديهما القدرة على الاستمرار، والاتكاء على الفسحة التي منحها حوارهما، على طاولة المقهى، الذي ضاق برواده، كلاهما تجرع مرارة الحب قبل أن يلتقيا
من تقارب وتباعد، عليهما طوي تلك الصفحات، لمعت عيناها بألق لا تعرف مصدره، لا ينبغي أن يحملوا فشلهم وخياراتهم الخاطئة للقدر.
لم تستطع كبح دموعها التي انهمرت، وانزلقت على جروحها لتشفيها، أسدلت جفونها وسبحت هائمة بعيدا بعيدا، تحلم بالحب الذي حيثما يمر يهطل المطر وينبت العشب.
قال: إني التقيتك منذ سنوات، وعشت معك قبل مولدك، واتصلت بروحك في دنيا غير هذه الدنيا، في عالم خاص بنا، ليس فيه سوى شموس وأقمار وأزهار.
جمعتهما الشبكة العنكبوتية، هي تكتب القصة والرواية، وهو يكتب الشعر، المطر في خيوطه الفضية، يبدد الظلمة ويداعبهما برذاذ يتهادى بلطف وينشر الدفء والابتسام.
- امرأة
مسحورة ومجذوبة ليديه وعبقه، وثرثرته في اعماقها، وسحلها للصحارى معصوبة العينين، لا تدري اين يفضي بها الحب واين المنتهى؟ سميك جدا ذلك الرباط الذي ادخلته طواعية في معصميها، امرأة لا يمكن انجابها الا من فاتنة خارقة الجمال.
عن ملكوت نرجسها، وجبالها الوعرة التي لم ينجح حتى الآن في تسلقها، يكتبها شعرا رغم هجرته للشعر، لا حديث في المنتديات الادبية الا عنها، نيرانها ناعمة دافئة دافقة حلوة، من اين اتت بكل هذا الفيض من البهاء؟
وهي وحدها من ضمدت جراحات وعذابات الايام؟
موسيقية الصوت والخطى واللهفة، وجه في لون الصفاء خال من الزينة، رهيفة الملامح قادمة من فيلم ابيض واسود قديم، كلاهما كتب الشعر قبل ان يعرجا على السرد، الحوار بينهما ينبسط ويتمدد ويتشعب، مثل شجر اللبلاب فوق سقيفة من الهدوء، عيناها تتحدثان وفمها مطبق، اذا تكلمت انسابت موسيقات عذبة، ترقق المشاعر والسمع، كتاباتها لها نكهة الشوق ونسيم البحر، تشرق وتغرب فيه، قرأ كثيرا في كتب السحر، وفن مغازلة النساء، ورغم ذلك انهارت حصونه، امام طلقتها الحنون من مسدس عينيها، واستطاعت بسحرها الأخاذ، زحزحة كل الحسان من حوله، لتكون له بمثابة كل النساء في امرأة لا تعرف الذبول، تتهادى بكل اناقة على أوتار المساء، وتنشر عطرها في الانحاء.
اختارها كما هي بجمالها وجموحها، ببساطتها وتعقيداتها، بصدودها وقبولها، بحبها وجنونها، بصراخها وصمتها، ورغم ذلك يخشى الحب اذا تأكد واشتد بين المحبين، كان التهاجر والتشاجر، رغم حرصه على قوة روحه من الصدمات المفاجئة والمروعة، كثيرة الغضب قليلة التسامح، ولشقائه وقع عليها اختياره، ليكتبها سطرا بمداد الورد في موسوعة الفرح.