اللوحة: الفنان الهولندي فنسنت فان خوخ

أحيانًا، نجد أنفسنا في وسط عالم مليء بالأفكار الكبيرة، كما لو أننا في مقهى فكري نحتسي أفكارًا قوية كما نحتسي القهوة المرّة. وتمامًا مثل القهوة، تصبح بعض هذه الأفكار غير قابلة للهضم، بينما يمكن أن تكون أخرى، على الرغم من مرارتها، مثيرة بما يكفي للاستمرار في شربها. لكن السؤال هنا: هل نحن بالفعل بحاجة إلى رشفة من الفكر العميق، أم أننا فقط نبحث عن مخرج من ضباب الواقع؟

لنكون صريحين: الحياة، في جوهرها، عبارة عن مجموعة من الرشفات التي نأخذها دون أن ندرك غالبًا طعمها الحقيقي. نمر بتجارب، نلتقط أفكارًا، نتذوق مفاهيم، ثم نتنقل من رشفة إلى أخرى دون أن نحدد ما إذا كنا نريد المزيد أو أننا فقط نريد التخلص من تلك الطعمات الثقيلة. فكرة بعد فكرة، نعيش في زخم فكري مستمر، كما لو كان لدينا مرشح دائم لفصل القهوة عن رواسبها.

لكن الحقيقة المرّة التي يجب أن ندركها هي أن “الرشفة” قد تكون أيضًا وسيلة للهروب من التفكير العميق. ما أسهل أن تتناول فكرة صغيرة كما تأخذ رشفة قهوة سريعة، ولكن كم من الناس يتوقفون لتحليل طعم الفكرة، أو ربما يقيمون درجة المرارة أو الحلاوة؟ تكمن الفلسفة في “الوقفات الصغيرة” التي نأخذها خلال الرشفة، حينما ندرك أن ما نحتسيه ليس مجرد سائل، بل هو حالة ذهنية تصنعها تجاربنا.

إن الفكرة التي نحتسيها قد تكون أحيانًا أكثر ضبابية من كوب قهوة في صباح ضبابي. فكلما كانت الفكرة معقدة، كلما استمررنا في التحسس بمذاقها عبر الأوقات المختلفة. بعض الأفكار، مثل رشفة القهوة الأولى في اليوم، تكون قادرة على تنشيطنا، ولكن هل نُدرك أننا في تلك اللحظة، ونحن نحتسي الأفكار، نتساءل فقط إذا كانت هذه الأفكار هي التي تُعيدنا إلى الحياة، أم أن الحياة هي التي تدفعنا للبحث عن أفكار جديدة؟

لذلك، قد تكون الرشفة الأخيرة هي النقطة التي نقرر فيها إذا كان لدينا ما يكفي من التفكير، أو إذا كنا نرغب في إضافة المزيد من السكر لفكرة قد لا نحبها، لكنها تسكن داخلنا على أي حال. في النهاية، قد لا نحتاج إلا إلى “رشفة” أخرى لنكتشف أن الحياة مليئة بكوب آخر من الأفكار التي لا تكتمل إلا مع كل رشفة جديدة.

• مقالات