اللوحة: الفنان السوري نافع حقي
مصطفى معروفي

أحيانا يسير النبوغ الثقافي عند أفراد في بلد ما سيرا يفوق سير التطور والنمو في حقول مثل الاقتصاد والتعليم والرعاية الصحية الخ… فمثلا دولة كمصر بزغ فيها نجم العقاد وطه حسين وأعلام أخرى في الأدب والثقافة وهي دولة نامية غير متطورة، مما يعطي الدليل الأكيد عل أن النبوغ الثقافي ليست له علاقة آلية بالتطور أو التقدم الاجتماعي في المجتمع الذي يبرز فيه سواء كان التطور إياه ماديا أو غير مادي، والأمر لا يقتصر على الأمة العربية وحدها بهذا الخصوص فطاغور الشاعر الكبير مثلا ظهر في الهند في فترة كانت عبارة عن مجتمع يحيط به التخلف من كل جهة ويعبث به، ووول سوينكا في المسرح وشينا أشيبي في الرواية وهما من نيجيريا، ونغوغي وهو روائي من كينيا والقائمة تجل عن الحصر لأسماء نوابغ ثقافية عاشت أو تعيش في مجتمعات تعاني من آفة الفقر وتبعات التخلف، بعد أن عانت من ويلات الاستعمار.
إن النبوغ الثقافي قد ينمو ويتطور بمعزل عن الشروط الاجتماعية العامة التي ربما تكون شروطا قاهرة لا تساعد على الفرد على تثقيف نفسه وصقل موهبته ليصير نابغة، والأمثلة عن هذا الواقع كثيرة في هذا المجال ومعروفة لدرجة أنها تغنينا عن ضرب الأمثال عنها.
وأريد أن أقول بأن صاحب النبوغ الثقافي أو النبوغ بشكل عام ليس من الضروري أن يكون صاحب شهرة أو صيت أو يكون في حاجة لهما، لأنه في المقام الأول هو شخص يعيش في وحدته بالأساس، ولربما يموت فيها، ولذا ينبغي له أن يحصن نفسه.
ويحررها من وهم العلاقات الاجتماعية، وفي نظري أنه لا يضيره أن يتم الاعتراف به وبنبوغه أو لم يتم، إذ يكفيه أنه يعرف قدر نفسه ويدرك مدى نبوغه بشرط أن يكون بمنأى عن التنطع والادعاء الزائف.
أيها النابغة، لا تنتظر الاعتراف بك من وسط متخلف لا يعترف بالنبغاء ولا ينزلهم المنزلة التي تليق بهم.