اللوحة: الفنان الأميركي جان باسكيات
ماهر باكير دلاش

“عقدة الخواجا” – يبدو أن هذه العبارة قد تجسد واحدة من أكبر الألغاز في تاريخ الفكر البشري. ليست عقدة تقليدية، ولا هي مجرد مشكلة من نوع “كيف أصلح سيارتي بعد حادث بسيط؟” بل هي عقدة حقيقية، ثقافية وفكرية، تتعلق بذلك الكائن الأسطوري الذي اسمه “الخواجا”. وهو ليس شخصًا واحدًا، بل مزيجٌ غريب من الفكرة والمفهوم والظاهرة التي تتغير بحسب السياق والزمان والمكان.
لنبدأ بتعريف “الخواجا”. هو ذلك الكائن الذي يعبر عن الغريب، لكن ليس أي غريب، بل الغريب الذي يحمل عبق الحداثة، والتقدم، والفكر المختلف. هو الذي يأتي من الخارج، من بعيد، يحمل معه ثقافة، ربما عطرًا، وربما لغات لا نفهمها تمامًا، لكنه دائمًا يتحدث عن “التطور” و”التغيير”. ثم يأتي السؤال: لماذا، في كل مرة نسمع فيها عن “الخواجا”، نشعر أنه يحمل معه عقدة؟ بل، هل هي عقدة أم هي مجرد توتر نفسي من نوع آخر؟
لنواجه الحقيقة: نحن نحب الخواجا! نحترم الخواجا، وفي بعض الأحيان نخاف من الخواجا. لماذا؟ لأن الخواجا يمثل ذلك النموذج المثالي الذي لا يمكننا بلوغه. هو الشخص الذي يتقن عمله بكفاءة، يتحدث لغات متعددة، يلبس بطريقة غير مألوفة، ويستخدم التكنولوجيا بطريقة تجعلنا نبدو وكأننا في العصور الحجرية. ومع ذلك، لا ندري لماذا يظل الخواجا، في أذهاننا، رمزًا للسلطة والمعرفة المتفوقة. هل هي “عقدة الخواجا”؟ أم هي مجرد عقدة من الخارج، تبرز عندما نضع أنفسنا في مقارنة مستمرة معه؟
وهنا يأتي السؤال الأكبر: هل نحن بحاجة فعلاً إلى الخواجا لكي نكون “متحضرين”؟ أم أن العقدة تكمن في رغبتنا الدائمة في محاكاة الآخر، في أن نبدو كما هو، في أن نحاكي حضارته، ونظنه هو مقياس تطورنا؟ لكن، ألم يكن من الممكن أن نكون “متقدمين” بطرقنا الخاصة؟ ربما العقدة تكمن في أننا نعتقد أن “التقدم” هو شيء واحد، وهو ما يصنعه الخواجا فقط، وأننا في غياب هذا النموذج نشعر بالنقص.
والآن، بعد أن أجبنا على هذا السؤال المعقد، دعونا ننظر إلى “عقدة الخواجا” من زاوية أكثر فكاهية. هل سبق أن حاول أحدنا أن يتظاهر بأنه “خواجا” في حضور الخواجا نفسه؟ نعم، لقد جربنا أن نبدو مهمين، نستخدم كلمات معقدة، أو حتى نصبح فجأة متحدثين جيدين في مواضيع لا نفقه فيها شيئًا، لمجرد أننا نريد أن نُظهر للخواجا أننا في نفس مستواه. لكن، هل تعتقدون أن الخواجا يلاحظ؟ على الأرجح هو لا يبالي، وهو يرى أن تلك المحاولات ليست أكثر من نكات اجتماعية، وإن كان يبتسم برفق، فهو في الواقع يتساءل: “متى ستنتهي هذه المهازل؟”
وبينما نحن نحاول “حل” عقدة الخواجا، فإننا في الحقيقة نغذيها. نغذيها بالمزيد من الأسئلة: “هل يجب أن أتعلم هذه اللغة؟ هل يجب أن أغير طريقة لباسي؟ هل يجب أن أفكر بالطريقة التي يفكر بها الخواجا؟” وتستمر الدوامة.
في النهاية، هل عقدة الخواجا هي مجرد عقدة من الخيال؟ ربما! فقد تكون فقط لعبتنا العقلية التي نبتكرها لتبرير إحساسنا بالنقص أو الحاجة إلى التغيير. أو ربما، “العقدة هي فينا، لا في الخواجا”. ربما نحن، في الحقيقة، نحتاج إلى حل عقدنا الداخلية قبل أن نركز على عقدة الخواجا.