اللوحة: الفنان المصري حسين بيكار
سامي أبوبدر

لِمِصرَ أَشدُو لُحُونَ الشَّوقِ أَشعَارا
وأَذرِفُ الدَّمعَ كالعُشَّاقِ أَسحَارا
لِي في هَواهَا حِكايَاتٌ أَهِيمُ بِها
وإِنَّ لِلقلبِ إِذ يَهوَى لَأَعذَارا
فلا تَلُومُوا فُؤادِي في تَجاوزِهِ
حَدَّ الجُنونِ بها جَهرًا وإِسْرَارا
أُمُّ البلادِ، ومَهوَى الرُّوحِ، قِبلَتُها،
مَتَى حَلَلْتُ بِها أَنعِمْ بها دَارا
مَنْ ذا يُطِيقُ بِعادًا عَن ثَرَى وَطَنٍ
كَمِصرَ أَو يَبتَغِي في الأَرضِ أَسفَارا؟!
إِنِّي أَحِنُّ إليهَا والحَنينُ غَدَا
بينَ الحَنايَا – وإِنْ آنَسْتُهُ – نَارا
رُحمَاكَ رَبِّي بِمَنْ في مِصرَ مُهجَتُهُ
بَاتَتْ تُراوِدُ إِقبَالًا وإِدبَارا
ولِي هُنالِكَ شَريانٌ يَثورُ بهِ
نَبضِي فيَجرِي دَمِي بالْحُبِّ مَوَّارا
وتُنهِكُ الخَاطِرَ المكلُومَ مِن وَجَعٍ
ذِكرَى تُهَيِّجُ فِي الأَحشَاءِ إِعصَارا
وإِنْ شُغِلْتُ عَنِ الذِّكرَى تُحاصِرُني
مَهما طَوَيتُ علَى الأَيامِ أَقطَارا
مَا زِلتُ أَذكُرُنِي طِفلًا بِحِجرِ أَبي
يَقُصُّ مِن سِيَرِ الماضِينَ آثَارا
وأَذكُرُ النِّيلَ يَجرِي فِي جَداوِلِهِ
وضَفَّتَيْنِ وأَشجَارًا وأَطيَارا
ومَا صَنَعتُ منَ الأَلعَابِ فِي فَرَحٍ
مِن طِينَةِ الحَقلِ أَحلامًا وتَذكَارا
ومَا تَلَوْتُ مِنَ الآياتِ مُنتَشِيًا
بمِصرَ فَخرًا وإِجلالًا وإِكبَارا
أَلَمْ يُبَاهِ بهَا فِرعَونُ في صَلَفٍ؟
“أَلَيْسَ لِي” مُلكُهَا.. طَوعًا وإِجبَارا؟
وعَزَّ يُوسُفُ فِيهَا بعدَ كُربتِهِ
واسْتَوْزَرَ الْمُلكَ دُونَ القَومِ مُختَارا
وقالَ مُوسَى “اهِبِطُوا مِصْرًا فإِنَّ لَكُمْ”
مَا تَسأَلُونَ بهَذِي الأَرضِ أَثمَارا
فَرَّتْ إِليْهَا بعِيسَى مَريَمٌ هَرَبًا
لَمَّا استَجارَتْ تَبَارَى النَّاسُ أَنصَارا
وقامَ أَحمدُ يُوصِي الفاتِحِينَ بهَا
فكانَ بالفَتحِ إِيذانًا وإِشعَارا
وقالَ إِنَّ لَنَا في أَهلِهَا رَحِمًا
وإِنَّ لِيْ ذِمَمًا فِيها وأَصهَارا
هَذِي بلادِي إِذا مَا دُمتُ أَمدَحُها
يَفنَى الكلامُ ومَا جَلَّيْتُ أَسرَارا.