جولييت المصري
اللوحة: الفنانة السعودية أريج عبيد
في عصر يعيش فيه الأفراد الكثير من التحديات والضغوطات الاجتماعية والنفسية، يصبح من الضروري إيجاد طرق فعالة لمعالجة هذه المشكلات، وتُعد العلاقة بين الفن التشكيلي والصحة النفسية من العلاقات المثيرة الجديرة بالاهتمام، حيث يُظهر البحث العلمي أن ممارسة الفن يمكن أن تعزز الصحة النفسية، وتساعد في التغلب على الضغوط النفسية والعاطفية.
يعتبر الفن وسيلة قوية للتعبير عن المشاعر والأفكار التي قد يكون من الصعب نقلها بالكلمات، ومن ناحية أخرى، يتيح الفن التشكيلي للأفراد فرصة التعبير عن مشاعرهم وتجاربهم بطريقة قد تفيدهم في تغيير حياتهم، والفهم الصحيح لدور الفن في دعم الصحة النفسية يمكن أن يساعد الأفراد في إيجاد وسائل جديدة للتعامل مع مشاعرهم والتعبير عنها من خلال الفهم العميق لهذا الارتباط، حيث يمكن تعزيز أساليب العلاج النفسي التقليدية بإدخال الفنون في العلاج، مما يساهم في تحسين جودة الحياة النفسية للأفراد ويتيح لهم أدوات جديدة للتعبير عن الذات، وعليه، فإن فهم هذه العلاقة يتطلب استكشاف عمق التأثيرات النفسية والفردية للفنون على الأفراد.
تشير الأبحاث إلى أن تعرض الإنسان المستمر لضغوط لا يمكنه تفاديها أو إيجاد حلول لها، يؤدي إلى مجموعة من الاضطرابات النفسية، بما في ذلك القلق والاكتئاب، فعلى سبيل المثال، قد يُعاني الأفراد الذين يعيشون في مجتمعات تعاني من التوترات الاجتماعية أو الاقتصادية من مشاعر عدم الأمان والاستقرار. هذا الوضع يمكن أن يؤثر سلبًا على نوعية حياتهم وكفاءتهم في العمل وبناء العلاقات، ويُعد التعبير الفني أحد استراتيجيات التعامل مع التوتر من خلال استخدام الألوان والأشكال، حيث يمكن للفرد التعبير عن العواطف والمشاعر بطريقة أكثر فعالية من استخدام الكلمات. هذا النوع من التعبير يمكن أن يعمل كمهدئ لتلك الاضطرابات، وبديل آمن لتفريجها والتنفيس عنها، حيث يعمل كوسيلة للهروب من الضغوط اليومية، مما يفتح أبوابًا جديدة لفهم التجربة الإنسانية والتعامل مع المشاعر المعقدة. إن ممارسة الفنون سواء كانت رسمًا، نحتًا، أو حتى كتابة الشعر يمكن أن تكون مساحات آمنة للأفراد، حيث يمكنهم التعبير عن مشاعرهم بشكل مباشر دون خوف من العواقب.
وبالحديث عن فلسفة الفن وتأثيرها النفسي نجد أن هذه الفلسفة تتداخل مع الصحة النفسية، حيث تضع للفنون مكانة خاصة في حياتنا، فالفن ليس مجرد منتج جمالي، بل هو تجربة تعكس الهوية والمشاعر الإنسانية، والتأمل في الجمال والمعنى المتمثل في الأعمال الفنية يمكن أن يكون له تأثيرات عميقة على النفس البشرية، فالبحث عن الجمال في الفن يمكن أن يساعد الأفراد في فهم أنفسهم بشكل أفضل، ويعزز الوعي الذاتي ويزيد من الاستقرار النفسي. هذا التأثير ينشأ من قدرة الفنون على نقل الرسائل المعقدة بطريقة تثير الاستجابة العاطفية، مما يوفر فرصة للتأمل والتفكير.
من الجميل والمثير للاهتمام أيضا، أن يستخدم المحللون النفسيون الفنون كوسيلة لاستكشاف الطبقات العميقة في النفس البشرية، فغالبًا ما يتم توجيه الأشخاص للتعبير عن أفكارهم وعواطفهم من خلال الفن، مما يُتيح لهم فرصة لفهم ما هو مغلق أو غير معروف في عقولهم. ويمكن للفن أن يسهل عملية التحليل النفسي بشكل فعال من خلال النظر إلى الأعمال الفنية، فيعبر الفرد عن مشاعره الخاصة بشكل غير مباشر، مما يؤدي إلى فهم أعمق للذات.
إن التعبير الذاتي من خلال الفنون يساهم بشكل كبير في تشكيل الهوية، فالفن أداة قوية لتأكيد الأفكار والمشاعر الفردية، ويتيح التعبير الذاتي للفرد فرصة لدخول عالمه الداخلي وفتح مسارات جديدة لفهم الذات، ولقد أظهرت العديد من الدراسات أن ممارسة الفن تعزز من القدرة على التكيف ورفع مستوى الوعي الذاتي.. في الوقت الذي يتحرر فيه الأفراد من الضغوط الاجتماعية، فإنه يمكن للفن أن يصبح مساحة آمنة لاستكشاف جوانب جديدة من هويتهم وتجربتهم الإنسانية.