اللوحة: الفنانة الألمانية كاتي كولويتز
قلت وأنا أغالب إعجابي بالرجل وأفعاله: لك كل تقدير يا صاحب المقام، أعترف الآن وعلى الملأ أنك على حق، أن وجودك حقيقة، ولم تكن أبدًا فرض خيال أو بعض وهم.
نظر لي بعين نصف مغلقة، همس: كأنما تسخر من حديثي؟
قلت: لا تكن سيئ الظن، لقد أدهشتني قدرتك على القراءة.
- اعترفت الآن؟
قلت: نعم.
- أقررت أني شيخ وصاحب مقام؟
قلت: لست وحدي من يدرك هذه الحقيقة بل القوم كلهم.
- كاد أن يهب من مكانه فزعًا، قال: القوم؟ من أخبرهم؟ أنت؟
بفخر: نعم، من غيري قادر أن يفعل هذا!
نفخ الهواء بغيظ، قال: هي نفحة سريّة، منحة لا يجب أن تعلن للعامة هكذا حتى لا يُساء فهمها، حتى لا تضيع منّي وأفقدها. أشار إليّ بسبابته، قال: لقد ألحقت ضررًا بي عن غير عمد.. ثم ثبّت بصره فيّ لحظات، وقال: أو لعلك فعلتَها عامدًا.
قلت أطمئنه: لا تخش شيئًا، ثم إن البناء سيكتمل قريبًا، راعينا فيه أن يكون على الطراز المملوكي الفخم، أمامه سبيل كتلك الأسبلة الموجودة في القاهرة القديمة.
قال بقلق: أي بناء؟ أي سبيل؟ ما علاقتي؟
قلت: أنت تعرف طبعًا، أن لا مقام من دون بناء يضم الضريح والرفات. يصبح بمرور الوقت مزارًا للثكالى من النساء والعواقر منهن، لكل ذي حاجة، ومستقرًا للمجاذيب وما أكثرهم وما أحوجهم إلى مكان يركنون إليه. في ذلك ثواب عظيم.
ابتلع ريقه بصعوبة، اصفرّ وجهه، بفحيح قال يحاول النهوض من جديد: ضريح من؟ أنا؟ تقصد بعد موتي؟ ذلك والله فأل سيء.
قلت: من أتى على ذكر الموت؟ أطال الله في عمرك. إنما قصدنا أن نحتفي بك في حياتك.
وقف الشيخ، حاول التملّص والفرار من بين يدي، كاد أن ينجح في محاولته هذه المرة، حتى صحت فيه بغلظة محمودة، وفي الناس طلبًا للنجدة: صاحب المقام يرغب في الفرار.. التفتُ ناحيته، قلت: عُد يا مولانا، عيب ما تفعله، صاحب المقام لا يهرب هكذا.
