يوميات هناء في نيويورك – رحلة أريزونا

يوميات هناء في نيويورك – رحلة أريزونا

اللوحة: الفنان الأميركي ألبرت لوري جرول

هناء غمراوي

كعادتي في كل سنة خلال إقامتي في نيويورك كنت أسافر الى أوكلاهوما لزيارة شقيقي المقيم هناك. ومع ان هذه الرحلة تعتبر داخلية، ولكنها كانت تستغرق ما يزيد عن الأربع ساعات متواصلة. وذلك إذا كان حظي جيداً وعثرت على بطاقة سفر بدون توقف وبسعر جيد. وبخاصة ان شركات الطيران كانت قد رفعت اسعارها تلك الفترة حد الضعف، بهدف تعويض الخسائر التي منيت بها بسبب اقفال المطارات خلال جائحة كورونا.

وصلت أوكلاهوما نهاية الأسبوع الأول من شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام 2022 وكانت تلك زيارتي الثالثة هناك خلال الجائحة، كان الطقس ما زال خريفياً مقبولاً. ومع ان الحرارة تتدنى هناك خلال الشتاء الى ما دون الصفر بدرجات وتهب على الولاية أحياناً عواصف ثلجية مجنونة الا أن أيام الصحو المشمسة تبقى هي الغالبة، وتجعل المناخ اكثر اعتدالاً مقارنة بشتاء نيويورك القارس.

لقد زرت أوكلاهوما في فصول مختلفة من السنة، لذلك تعرفت على مختلف الأنماط المناخية فيها…

بعد وصولي بأقل من اسبوع بدأنا نخطط لزيارة أخي عمر، المقيم في أريزونا منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة.! واتفقنا ان يكون موعد السفر بداية العام الجديد. حتى اتمكن من قضاء فترة الأعياد في أوكلاهوما مع العائلة. كانت المرة الأولى التي يتصادف بها وجودي هناك في مناسبة الأعياد.

بدأت أستعد لرحلة الى أريزونا، التي زرتها لأول مرة قبل عشر سنوات؛ صيف العام 2013.

كان صيفها قائظاً لم اشاهد مثله من قبل، ومناخها صحراويّ وجاف ولا يعتدل فيها المناخ الا بعد ان ينتصف الخريف اواسط شهر نوفمبر/ تشرين الثاني. (بعد زيارتي مؤخراً للملكة العربية السعودية وجدت ان هناك تشابه كبير بينهما في المناخ وبخاصة في المناطق الداخلية الصحراوية كالعاصمة الرياض).

في وقت كنت اتابع موضوع شراء بطاقات السفر 

واجهتني مشكلة في إصرار شقيقي على السفر في السيارة لأنه كان معتاداً على ذلك، أما انا كنت أميل للسفر بالطائرة بعدما اكتشفت عبر مطالعتي للخريطة على غوغل أن المسافة بالسيارة بين مدينتي أوكلاهوما وفينيكس عاصمة اريزونا تزيد عن خمسة عشر ساعة من القيادة المتواصلة. أصرّ شقيقي ان نذهب عن طريق البر، وكانت حجته ان الطائرة تقيده من حيث الوزن المسموح به وهو يريد ان يجلب معه من هناك بعض المواد الغذائية، والمأكولات اللبنانية الغير موجودة في أوكلاهوما؛ (توجد في أريزونا جالية عربية كبيرة، ويوجد العديد من الحوانيت الخاصة، التي يملكها فلسطينيون، وأردنيون ومن كافة مناطق الوطن العربي حيث يتوفر داخلها الخبز العربيّ والكعك والبرغل والزعتر الأردنيّ والزيتون المغربيّ وتوجد أيضاً كافة أنواع الحلويات العربية…)

أمام رغبة أخي الملحة قبلت بالسفر في السيارة على شرط ان تكون لنا استراحة في أحد الفنادق لليلة واحدة في طريق الذهاب، وكذلك في طريق العودة، وهكذا كان.

للوصول الى أريزونا كان علينا ان نعبر أراضي ولايتين تفصلنا عنها؛ وهما تكساس ونيومكسيكو اللتان تشتركا في الحدود مع دولة المكسيك جنوباًً.

أول استراحة قصيرة كانت لنا في مدينة أماريللو (Amarrillo) في ولاية تكساس، التي كانت تبعد عن مدينة شوكتو (Choctaw)، مكان سكننا في اوكلاهوما، حوالي ساعتين ونصف تقريباً: حوالي270 ميلا.

النهار لم يكن قد انتصف بعد ولم أكن أعلم ما المسافة التي سنقطعها تماماً داخل ولاية تكساس قبل دخولنا ولاية نيومكسيكو، والتي كان علينا اجتيازها بالكامل حتى نصل حدود أريزونا.

عندما وصلنا مدينة (ألبوكيركي) Albuquerque وكنا قد اجتزنا مسافة لا بأس بها داخل ولاية نيومكسيكو قررنا التوقف، وتوجهنا باتجاه الفندق الصغير الذي اخترناه لاستلام غرفنا قبل حلول الظلام. كان التعب قد نال منا برغم الاستراحات القصيرة التي كنا نحصل عليها خلال النهار لتناول وجبة خفيفة او لتزويد خزان السيارة بالبنزين. 

صباح البوم التالي تناولنا قهوتنا مع فطور خفيف على عجل، وانطلقنا باتجاه أريزونا.

كان علينا اجتياز المسافة المتبقية من ولاية نيومكسيكو والتي تتطلب سير مسافة خمس ساعات على أقل تقدير لنصل حدود اريزونا الجبلية، والتي نبهنا شقيقي عمر بعدم سلوكها لكثرة تساقط الثلوج فيها في مثل هذا الوقت من السنة، ونصحنا بسلوك طريق آخر ولكنه أكثر طولاً…لم أعرف بالموضوع الا بعد وصولنا فقد أخفى عني شقيقي خالد الأمر وسلك الطريق الجبليّ، الطريق الأقصر.!

كان من الطبيعي الا انشغل بقراءة الخريطة المثبتة أمامي على شاشة الهاتف ما دمت لا أقوم بقيادة السيارة؛ ولكن ولعي بقراءة الخرائط ومعرفة الحدود والاتجاهات والمرتفعات والأودية؛ شغفُ لم أشف منه منذ الصغر. لذلك كنت طوال الطريق، لا أكف عن السؤال عن اسماء المدن والأماكن عندما لا اتمكن من قراءة اللوحات المثبتة بسبب السرعة، أو عندما كانت الخريطة الظاهرة على الشاشة أمامي تعجز عن الإجابة. 

خلال رحلتنا لاحظت ان الولايات الجنوبية، عنيت تكساس ونيومكسيكو فيها مساحات شاسعة وصحراوية غير مأهولة بخلاف نيويورك والولايات الشمالية المتاخمة لها كبنسلفانيا ونيوجرسي والتي تكثر فيها الغابات والمساحات الخضراء. كما لاحظت وجود عدد كبير من المرواح العملاقة التي تستغل طاقة الرياح لتوليد الكهرباء داخل اراضي تكساس الصحراوية الجرداء. أعادتني رؤية ذلك المشهد الى زيارتي الى ألمانيا، قبل سنوات حيث شاهدت تلك المراوح لأول مرة خلال رحلتي في القطار بين مدينتي لوبيك وبرلين.

الطريق الجبليّ، الذي سلكناه بعد وصولنا حدود أريزونا جعلني أعرف حقيقة جغرافية كنت اجهلها تماماً؛ وهي ان ولاية أريزونا الصحراوية تملك مرتفعات عالية جداً تغطيها الثلوج اشهراً معينة من السنة وتكون مركز اصطياف مهم خلال اشهر الصيف حيث ترتفع درجات الحرارة جداً في العاصمة وبعض المدن المعروفة في أريزونا. كما توجد في هذه المرتفعات غابات وارفة تشبه كثيراً غابات نيويورك والمناطق الشمالية من الولايات المتحدة… وهذه المناطق في الغالب تكون مقصداً للسياح عموماً، وللأثرياء من سكان أريزونا خلال أشهر الصيف.

نحن في بداية شهر كانون الثاني/ يناير كما اشرت في البداية. هذا الشهر هو شهر تساقط الثلوج بامتياز على المرتفعات، هذا ما عرفته وما تأكد لي خلال أكثر من ساعتين من القيادة في طريق جبليّ يرتفع مستوى الثلوج على جانبيه قرابة المتر، وتكتسي اغصان الأشجار بطبقة من الثلج الأبيض تجعلها اشبه بثريات كبيرة مضاءة باللون الأبيض الناصع. أما الطريق الذي كنا نسلكه والمحاذي لهذه الغابة المكسوة بالثلوج والتي انتشرت داخلها بعض الأكواخ الخشبية، فكان خالياً لأي أثر من الثلوج وذلك بفضل الجرافات كانت تحاول ازالته باستمرار، ورش كميات كبيرة من الملح حرصاً على السلامة العامة.

لقد حصلت على العديد من الصور التذكارية والفيديوهات، التي توثق لتلك المناظر الخلابة التي رأيتها هناك، حيث كنت أطلب من شقيقي تخفيف السرعة، في كل مرة أود فيها التقاط بعض الصور. مع أن السرعة كانت أصلاً خفيفة التزاماً بالتعليمات المدونة على اللوحات المثبتة على جانبي الطريق والتي تحذر من تجاوز السرعة المحددة خشية الانزلاق.

وقد لاحظت غياب الشبكة عن هواتفنا أكثر من مرة نتيجة سوء الأحوال الجوية خلال عبورنا تلك المنطقة الجبلية وكان يظهر مكانها مباشرة إشارة؛ sos التي تخولنا التواصل مع الجهات الأمنية في حال حصول اي طارئ.

بعد أكثر من ساعتين من السير بمحاذاة تلك الغابات الجبليةّ بدأنا بالانحدار باتجاه مناطق أريزونا المأهولة، وبدأت الحرارة بالارتفاع تدريجياً وبدأت الشمس بالظهور فوق مدينة تشندلر التي كنا نقصدها لزيارة أخي الذي يقيم هناك.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.