الابتزاز لعبة من تعفنت روحه

الابتزاز لعبة من تعفنت روحه

اللوحة: الفنان الألماني بول كلي

ماهر باكير دلاش

…غير أن الخيلاء تقوم دائما على الاعتقاد بأننا محط الاهتمام والاحترام.. فالغني يزهو بثروته لأنه يشعر أنها تجلب له اهتمام العالم.. وأن البشر يميلون الى مسايرته في كل عواطفه الناجمة عن مزايا وضعه.. أما الفقير فيخجل من فقره لأن الفقر لا يجعله محط أنظار الناس.. فإن وقعت عليه أنظارهم فإنهم لن يتعاطفوا مع بؤسه وما يعانيه من شقاء، فبعض من الابتزاز لعبة من تعفنت روحه، وأمره ابتزاز المرء لنفسه وروحه؟!

*أنا أخاف على حريتي أكثر من رغبتي بتأمين عواطفي، أفضل أن أكون بائسًا وحرًا على أن أكون سعيدًا في قفص*.

بعضُ الحُروف تَضمُّنا وتَشد عَلى قُلوبِنا بالثَّبات لنبقى على أصلنا في زمن تاهت فيه الأصول.. لن أصبح ضحية أحداث سابقة، ولن أجعلها عقبة، ولن أكون كمن يبتز روحه.. سأتجاوز تلك الكبوات لأواصل حياتي.. لا لن أستطيع تغيير الماضي.. بل سأسامح وأغفر لأحرر نفسي.. لن أحمل غضباً تجاه أي انسان في العالم.. سأكون متفائلا وايجابيا.. سأثق بنفسي وسأحب الخير للجميع.. لن أشغل نفسي بمواقف غيري تجاهي.. أو الفكرة التي اتخذت عني.. فلم يعد الأمر يهمني؟!

العودة إلى الماضي، إلى ثنايا الطفولة والجهل تؤكد أن المرء لا يجد الشغف والحب والعطاء دون مقابل إلا عند أمه، يجد كل شيء جميل عندها، لكنه يفتقد الشغف واللهفة والحب في حياته عندما يكبر؛ فالبكاء ليس مرادفا للحزن، إنه مرادف للامتلاء. يبكي السعيد ويبكي الخائف، يبكي من يملأه الحماس ويبكي الحزين.. يبكي الإنسان متى فاضت مشاعره كيفما كانت.. تخرج الدموع كزخات مطر من عينيه عندما يشتاق وتهشمه الذكرى.

وسائل التواصل الاجتماعي أكذوبة كبرى لا تغني ولا تسمن من جوع، لا تتعدى مجاملات زائفة، ورياء من نوع فاخر، والهروب اليها بغية البحث عن ذلك الحب المفقود أكذوبة أكبر.

لا شك أن النفس تأنس إلى من يجعل الجمال ينمو بداخلها دون استئذان.. أليس بعض الكلام يحتاج إلى إحساس وليس الفهم، ولكن القوة تكمن في الإنسان الحقيقي، الحقيقي حتى النخاع؛ فالكثير هم أشباه حقيقة.. الأم هي الحقيقة.

ماذا لو عشنا بسلام دون غياب ووداع، دون استقبال غرباء دون خيبات أمل، أيعقل ان التفكير في الواقع الجميل شبه مستحيل، هل نحنُ حقاً كُتب علينا الشقاء ام نحن من نرى ذلك؟

أصبحت حياتنا مليئةٍ بتوقع أشياءٍ قبل وقوع حدوثها ونزعم أننا في انتظار يوم جميل تحت مسمى “غدا أجمل” ونختبئ خلف ضفاف دمعةٍ تحرقُ قلب من كان يتيماً وتفزع قلب من لم تكدره الحياة.. دمعةٍ قد كُسبّت من ألمِ الغدرِ والخذلان فأصبحت حياتنا أشلاءٍ مبعثرةً في زوايا محاطةً بذكرياتٍ أليمة. لم نتغلّب على نسيانها ونداري مشاعر الآخرين بقولُنا إن الحياة جميلة، وتستحقُ أن تعاش، مع أننا أخذنا دروسا قاسية في مفهوم الحياة خلف قول الحياة جميلة…

إذا انتهى الكلام بيني وبيني، وتقطعت سُبل الوصال وافترقنا؛ وعُدنا غرباء، سأتعرّف عليًّ مجددا، وسأعرف روحي جيدًا. أعرفها حين تمسح بِرفقٍ على منطقٍ فظّ، وحين تُفرِغ صبرها في انفعال، أو يغلق رفضها كلّ تجاه. حين تكون حافةً حادّة، أو وجهًا مألوفًا، أو إشارةً تأخذ بيديك، أو كتفًا أعرض عنك. وأعرفها حين تختار ما تكونه، وفِي أي مقام. فلا أندم على شيء؟!

سأعرف روحي حينما يصبِح إغلاق هاتفي هُرُوبًا واختفاءً، وحينَما يصير العالم محبوسًا داخل جهاز صغير بحجم الكف، وتصير الصداقة رسالة، ووجودُنا إشارةً صغيرةً خضراء، لا يعودُ للحُرّياتِ قيمة.. ثم أتقوقع على نفسي، لأدرك كم كُنت وحيدا رغمَ الازدحام، كم كُنت من السُجَناء، ولم أدرك عمري؟!

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.