اللوحة: الفنان الإنجليزي هاينز كينغ
محمد محمود غدية

الشاب الذي استأذن في الجلوس جوارها بالقطار، كان مهذبا حين استأذنها، بالإضافة الى اناقته، يرتدى سترة وبنطالا ازرق محكم الكي، وربطة عنق هادئة، فتحت حافظة الكتب قاصدة ان تريه انها جامعية، عيناه مثبتتان بنافذة القطار، رسالة اهماله وصلتها، اخرجت هاتفها وكتبت لصديقتها على الواتس، ان الجالس جوارها شاب جميل لا يراها، رغم صبغة شفاهها بالروج اللامع، وشعرها المصفف بعناية ورائحتها الطيبة، سألتها ماذا افعل لألفت نظره؟
– أجابتها: اخرجي حافظة نقودك، وادفعي بورقة نقدية كأنها سقطت سهوا، وانظري ماذا يفعل؟
نجحت الخطة وشكرته حين ناولها الورقة النقدية، انفرجت شفاهه عن ابتسامة عريضة، اذابت الجليد والحدة والجدية والتجهم، واعادت الغناء الى الحناجر، والقلب الى الركض في كل الاماكن، ثمل الندمان دون شراب، من الذي اضاء السراج وازاح القتامة، ورقق بألسنتهم لغة الشعر والعذوبة والجمال؟
تبادلا ارقام الهاتف، طمئنها على نجاحه في الانترفيو، تحابا وتعددت اللقاءات، تمت خطبتهما وزواجهما، الذي لم ترحب به ام الزوج، لرغبتها في تزويجه من ابنة شقيقتها، التي رفضها وبدلا منها اختار رقيقة المشاعر صدفة القطار، التي ارتضت الزواج في بيت العائلة، في الدور العلوي تقطن ام الزوج وهي ارملة منذ خمس سنوات، دأبت على الشكوى كذب وافتراء من الزوجة التي لم تقصر في خدمتها ورعايتها، تبرق عيناها بدمعة حائرة، بين الانهمار انفعالا والاحتباس خجلا، امام رقة الزوج ومحبته لها، كي لا تفسد ودهما المتصل، وهو لا يرى في زوجته غير الخلق والحسن والادب، تحملت في صبر ابتسامة ومداهنة وتملق ام الزوج التي تظهر عكس ما تبطن!
– بعد ستة أشهر شعرت
الزوجة بأعراض الحمل بين فرح الزوج وغضب الأم التي قالت: لزمته ايه دلوقت، متاعب الحمل والولادة، ولسه قدامكم الوقت طويل، نقلت الى اختها مصيبة حمل زوجة وحيدها، وفي حيلة شيطانية اعطتها شريط برشام لإسقاط الجنين، تعطيه لها على انه مثبت للحمل!
الزوجة ساورتها الشكوك امام الحنية المفاجئة!
فتحت الموبايل وفعلت النت وكتبت في جوجل اسم الشريط واستخداماته، وكانت المفاجأة المدوية انه خاص بالإجهاض!
من بين دموع الزوجة المكلومة، اخبرت زوجها بما فعلته الأم، وانه لا يمكن لأحد ان يفصم عرى الحب بيننا، لان الحب يؤلف ما بين قلبينا الى الابد، يضمها الزوج ويمسح دمعاتها قائلا: لم اعرف الحب الا حين التقيتك، ثلث الحكمة فطنة، وثلثيها تغافل، لا أستطيع التوقف عن حبكما، لكنني اعدك بتعديل سلوك أمي التي داهمتها الامراض بعد وفاة والدى، ولأنني وحيدها سأخيرها بين سفري البعيد وانت معي، أو تعديل السلوك.