اللوحة: الفنان الألماني فيليب فرانك
لطفي شفيق سعيد

مهداة الى روح الشاعر موفق محمد
جسر الحلة تمتد عشيرته
من بابل لقصر النمرود
عرفت عنه أشياء منذ مراهقته
فرأيته يفتل شاربه الفولاذي
يتلمس لوالب لحيته السوداء
يختلس النظر الى ما تحت نفانيف الصبايا
يغمض عينا ويفتح أخرى
يقتنص الألوان المنعكسة على الماء
ويتمتم في المساء
هذا أحمر وذاك أخضر
والثالث نوماي اصفر
لكن أروعها مدورها ومكورها
حليق أبيض كان أم أسمر!!
***
صار الجسر ملاذا للشعراء الغاوين
يعطي أذنا لمن هب ودب
يصيخ السمع لهمهمات العابرين
كلما مر عليه عاشقان رف قلبه واستكان
يعشق أغنية لسعدي الحلي (ليله ويوم)
فرت من مقهى الخمارة في (حي الماشطة)
تترنح من فرط ما تعتعها السكر
حملتها الريح المخمورة لآخر الليل
***
أيها الذي أستلقى في مثواه
أرهقك انتظار
الى متى تمتطي صهوة الفرات وتستكين؟
وفي (توالي العمر) يشدك الحنين
وتستعيد أهزوجة الاطفال
(كوكوغتي كوكوغتي
وين أختي؟ بل حله
أشتشرب؟ مي الله
أشتاكل؟ باكله)
***
شاخ الجسر فما عاد صبيا يتدلع
لا يهتم بهندامه ولا يتلمع
طالت لحيته وابيضت
وغدت أرجوحة (لأبي الجنيب) الأصلع
تتقافز مسامير هيكله (على الصوبين)
وبأقل هزة يتصدع
(عيني عليك باردة)
فمنذ أن نصبت جسرا للماشين
لم تغب عنك شاردة أو واردة
تستذكر في يقظتك الدائمة
الذاهبين الى المحارق والقتال
والعائدين بلا رؤوس وأوصال
الراحلين الى الفيافي والجبال
الصامدين (بقطار الموت)
الحاملين نعوشهم لنقرة السلمان
السجناء بسجن الحلة
ينشدون لمظفر النواب
ليحث خطاه للهرب
***
أمك يا موفق تريد للجسر أن تنيمه
(دلل لول يا الجسر يبني دلل لول)
والجسر يأبى أن ينام
(دلل لول يا لجسر يبني دلل لول)
والجسر يقظان لا ينام
حران لا يقدر أن يطفئ جمرته
والماء من تحته زلال
من يقدر أن يمسح عن عريه حباب المطر؟
ويدفع عن قامته الخطر؟
أنا له أن ينام
فكلما مرت على هيكله (الهمر)
تضج كل لوحة بجسمه وتستغيث
يسمع أنينه النهر
يلوذ بالآدميين
لكنهم نيام
فاختلط الأمر عليه
ولم يعد يعرف (ساسه من راسه)
ولا يميز بين السائس والسياسه
يلطم خده المشروخ نصفين
يعاود الصراخ والآنين
يا ناس يا سامعين
يا أولاد الحرام
اريد أن أنام
أريد أن أنام
فنم قرير العين يا موفق يا أيها المقدام.