تاريخ بالسكر

تاريخ بالسكر

اللوحة: الفنان الإيطالي جوزيف ستيلا

سأل رئيس تونس الحبيب بورقيبة الزعيم الليبي معمر القذافي: “لماذا لا تُعَلِّم شعبك؟”

قال القذافي: “لو علمتهم سوف يَثورون علي!”

قال بورقيبة: أنْ يثور عليك شعب مُتعلم؛ خير من أنْ يثور عليك شعب جاهل”!

قد يتساءل أحدهم فيقول: نحن متعلمون ومعنا شهادات رفيعة ومنها الدكتوراه، فلماذا تذكر هذا الحوار؟

في رأيي: إنَّ الاختبار الأخير والحاسم الذي يُبَيِّن المتعلم الحقيقي من المتعلم بشهادة؛ هو اختبار (نظَّارة؛ المُحَلَى بالسكر)، لو كان معك أعلى الشهادات التي استغرقت عمرك في نيلها؛ ثم ترى فقط اللونين الأبيض والأسود؛ فتعليمك يُكَرِّس الغيبوبة عن الزمان والمكان والواقع والحاضر والمستقبل.

إنْ كان ما لديك كله الأبيض وما لدى الآخرين كله الأسود؛ لن تنجح في اختبار النَظر الذي يجعلك تَنال الاعتراف بشهادتك العلمية.

عندما أتذكر تجربة ماليزيا يُدهشني أنّ زعماء ماليزيا بعد الاستقلال كانوا مُتَساندين، كل زعيم يأتي ليُكمل انجاز الذي قبله؛ فكانت النتيجة ماليزيا اليوم، نفس الملاحظة وجدتها في الصين وروسيا والولايات المتحدة الامريكية.. الخ. 

نحن نحرث في الماء منذ الاستقلال!، لأنَّنا ما زلنا نَرى الأبيض والأسود فقط، فالحدث الذي يجلب العار والذل والوكسة؛ لأجل خاطر شخص أو سُمعة حكومة أو مَكانة طائفة أو دين؛ يتحول لكرامة وعِزة ونجاح لأجل عيونهم.

في حرب 1956، تحطَّم في مصر؛ الأفراد والمعدات والبِنية التحتية والمجتمعية، كانت الغلطة البسيطة؛ هي توقع أنَّ القوى العظمى سوف تتدخل لتمنع الحرب، فتدخلت ولكن بعد أنْ تحطَّم كل شيء، أصبح يوم الهزيمة احتفالا باسم “عيد النصر”، وأصبح يوم إجازة رسمية، وعندما يُرْتَدَى ثوبُ العزة فوق ثوبِ الهزيمة، تتكرر المأساة وتكون أفدح.

وكان نفس السيناريو في اليمن وفي هزيمة يونيو1967، عندما فَرضت أمريكا والاتحاد السوفيتي على مصر أنْ تتلقى الضربة الأولى، فكانت الضربة القاضية! هل ترون الحِكمة من هذه اللقطات التاريخية؟

بدلا من المراجعة، وبدلا من محاسبة التهور والمغامرة بالبلد؛ هلل الجميع بالنصر، وأصبحت التجربة المريرة كلها في خاطرنا؛ كعكة بسكر.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.