الأربعون يتكاثرون

الأربعون يتكاثرون

اللوحة: الفنان المغربي عبد الرحيم فشتالي

ماهر باكير دلاش

يُقال في الأمثال الشعبية “يخلق من الشبه أربعين”، في إشارة إلى قدرة البشر على إيجاد تشابهات بين الأشياء رغم اختلافها، أو حتى أن يظهروا ملامح شبه مدهشة في حالات بعيدة عن التوقعات. لكن هل فكرنا يومًا في كيفية تكاثر هذه “الأربعين” بشكل ساخر؟ هل يمكن أن تكون هذه المقولة غير مجرد محاولة لتخفيف وقع الزمن، أو مجرد وسيلة للقول إننا نحب أن نرى أنفسنا في الآخرين، مهما كان ذلك من باب المبالغة؟

الواقع أن البشر كثيرًا ما يخلقون من الشبه أربعين في مختلف جوانب الحياة، سواء على مستوى الشكل أو التصرفات أو حتى المشاعر. ربما كان البعض يلاحظ فجأة أنه في لحظة ما، أصبح يتصرف مثل شخص آخر، في صورة مدهشة وغير متوقعة، حتى وإن كان قد “أنكر” تمامًا في يوم من الأيام أنه يشبه هذا الشخص. هنا تأتي المقولة “يخلق من الشبه أربعين” لتُضفي طابعًا فكاهيًا وواقعيًا في آن واحد على الحياة، كأنما أن كل شيء في هذا العالم، مهما كان بعيدًا أو غير مرتبط، يحمل في طياته شيئًا يمكن أن يراه الناس مشتركًا.

لا يقتصر الأمر على التشابه الجسدي فحسب، بل يمتد إلى عاداتنا وتقاليدنا وأفكارنا. فربما تجد نفسك في مرحلة ما، وبعد الكثير من الأحداث اليومية، تتصرف كما لو كنت قد أخذت من ملامح شخصية أخرى غيرك، ربما كنت ترى فيها خصائص لم تكن تحبها أو تبغضها. ولكن مع مرور الوقت، تجد أن كل شيء يتداخل، ويبدأ الشخص في “اختراع” أوجه شبه جديدة، إلى درجة أنه يصبح صعبًا التمييز بين “أنت” وبين “الآخر” الذي كان يشبهك في البداية. هو، في النهاية، نوع من الخداع الفكري الذي نخلق فيه من التشابه أربعين.

وفي هذا الإطار، ليس غريبًا أن نلاحظ أننا نحاول دائمًا أن نخلق من الشبه أربعين في مواقف حياتية معينة، ربما لأننا نشعر براحة عندما نرى أنفسنا في مرآة أخرى. فكلما اقتربنا من حالة مشابهة، شعرنا بأننا نمتلك نوعًا من الأمان أو القدرة على الفهم. في النهاية، نحن جميعًا نتوق إلى التشابه مع الآخرين كوسيلة للبقاء، وكأن التشابه هو الذي يضمن لنا القبول الاجتماعي.

إذاً، “يخلق من الشبه أربعين” ليس مجرد جملة ساخرة بل هي انعكاس لكيفية تشابك واقعنا وحياتنا مع الآخرين. إنها تتحدث عن قدرتنا على التأقلم والتشابه مع ما حولنا، حتى في أشد الفترات غرابة. وفي سياق فكاهي، يمكننا أن نرى أنه ربما نحن نبحث عن “الأربعين” ليس فقط في صورنا الخارجية، بل في أفكارنا وأفعالنا ومواقفنا. فكلما وجدنا شبهًا، أنشأنا منهم “أربعين” وأضفنا مزيدًا من التفسير، حتى أصبحت الحياة لعبة ممتعة من التشابهات والتباينات التي تشكل شخصياتنا.

في النهاية، “يخلق من الشبه أربعين” هي ليست فقط قولًا فكاهيًا، بل هي صورة عن كيفية تعاملنا مع العالم في ضوء محاكاة الآخر، محاولة أن نكون جزءًا من شيء أكبر، مهما كانت العواقب. فكما نخلق من الشبه أربعين، نخلق من الفكرة أيضًا أكثر من أربعين تفسيرًا، لنظل نبحث عن هويتنا في وسط كل هذه الفوضى من التشابهات.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.