«صوت من الماضي» لحسام أبو العلا.. رواية ترصد مواقف حياتية وتجارب إنسانية

«صوت من الماضي» لحسام أبو العلا.. رواية ترصد مواقف حياتية وتجارب إنسانية

د. عوض الغباري

حسام أبو العلا صحفي أديب صدرت له مجموعة قصصية جديدة بعنوان: “صوت من الماضي” تعد تتويجا لأعماله الإبداعية القصصية المعبرة عن شخصيته الأدبية وأسلوبه الفني.

وهو – في كل عمل جديد – يؤكد أصالته الإبداعية، وحضوره الثقافي المؤثر على الساحة الأدبية، وقياديته الإدارية بمجلة أكتوبر، فضلا عن شخصيته النقابية البارزة، وندواته وأنشطته في وسائل الإعلام. وإهداء هذه المجموعة القصصية دال على رومانسيته التي تجلت في مجموعاته القصصية ورواياته.

ويتميز قص حسام أبو العلا بطابعه الإنساني العميق يجسده أسلوب رومانسي شفيف ينفذ من خلاله إلى رؤية مبدعه لقضايا الحياة، محققا الهدف النبيل للأدب. مثال ذلك قصة “صوت من الماضي” التي افتتح بها مجموعته القصصية، إذ يتذكر بطل القصة حبيبته التي طال غيابها بينما كان فاقدا للذاكرة، ويجعل حبيبته تعتقد أنه لا زال يعاني من الزهايمر لكي يعيش مع صوت الماضي الذي اعتقد أنه سيزول إذا عرفت حبيبته بشفائه.

يقول السارد معللا ذلك بقوله: “لو رددتُ عليها لذهبت وذهب معها صوت الماضي بلا رجعة، وأنا أريدها أن تأتى مرة أخرى، وأثق أنها ستفعل. ويتأكد هذا بقوله: “صوت الماضي تغلب على الزهايمر، فمهما فعل المرض بالعقل، فإنه لن يستطيع أن يهزم القلب.

وتتجلى براعة القص وبلورة التجربة الإنسانية بين الحقيقة والخيال في قصة “طعم القهوة” فبطلة القصة تعاني من قسوة زوجها، ومن الخوف على أسرتها مضطرة إلى التضحية بسعادتها بعد قصة حب لم تكتمل إلا بالحلم الذي يجسد الحب الضائع في فراغ وسكون وليل لا يغيب، ولعل هذا يفسر افتتاح هذه المجموعة بقول المتنبي:

لا تحسبوا رقصي بينكم طربا                  

فالطير يرقص مذبوحا من الألم

وصورة “الأم” في قصص “حسام أبو العلا” ناصعة مثالا لحب الأبناء وتحمل الصعاب والتضحية بسعادتها من أجلهم، وتجلى ذلك في قصة “بسمة أمي” يختمها السارد بقوله: “رفعت وجهى للسماء، فلمحت صورة أمي تبتسم.

وتتنوع القصص معالجة مواقف حياتية وتجارب إنسانية مختلفة تحمل في إهابها وهجا من الإبداع الفلسفي لجوانب من التفاعل مع الحياة والأحياء مثل قصة “زوج زوجتى”، و”الغرفة 177″، و”الباب الموارب”، وغيرها من القصص التي تتناول تحليلا نفسيا لشخصياتها وأحداثها. ونرى في هذه الشخصيات ما تلعبه الأخت الرحيمة من دور مهم في الأسرة امتدادا لدور الأم بعد رحيلها، كذلك قصص الحب التي لا تأبه الحبيبة فيها بالفروق الكبيرة من حبيبها الفقير وثرائها، وما تعانيه جراء ذلك من مصاعب ومشكلات، خاصة إذا اتضحت شخصية الحبيب مناقضة لما تصورته الحبيبة، وخيبة أملها فيه. مثال ذلك تلك الزوجة التي ابُتليت بزوج منحرف يلهث وراء النساء في قصة “التركة” يصورها السارد بقوله: “جلستُ وحدي وسط ليل غائم»

ويطوّع “حسام أبو العلا” الحوار والمشاهد الملائمة للمواقف والشخصيات مجريا الحكمة على لسان شخصياته كقول بطل قصة “نعمة”: “اختيار الواقع والخضوع له في أغلب الأحيان حكمة لا يملكها الكثيرون، وذلك في قراره ألا يتزوج سيدة أخرى بعد وفاة أم أبنائه كى لا يمروا بتجربته القاسية مع زوجة أبيه، لكنه رزق بزوجة كانت كأم أولاده، وعنوان “نعمة” دال على الرضا بذلك. وتأتى قصة “قرار” لتحكي نموذجا لزوج قاسى القلب دارت به الأيام ليعمل في وظيفة متدنية عند زوجته التي كافحت لتصل إلى صاحبة ومديرة مستشفى. وفى مفارقات مؤسفة في قصة أخرى تكتشف الزوجة ما توقعته من أن زوجها على علاقات نسائية رغم تظاهره بالتدين، وأن خياناته كانت مع صديقاتها خاصة التي ذهبت إليها بعد وفاته وكانت تظنها أخلص صديقة، فإذا بها تفاجأ بأن صديقتها تقيم عزاء لزوجها وصورته في شقتها، كما صورته قصة “سر المرحوم“.

وفى قصة “العنكبوت” صورة أخرى لغدر الحبيب بحبيبته تصورها بقولها: “ليس كل انتصار يعطى الشعور بالفخر والسعادة، هناك انتصار بطعم الهزيمة، والقصة تجسد مناجاة الحبيبة التي خذلها الحبيب وقد اكتوت بنار هذا الحب الزائف. وتتناول قصص أخرى خداع طبيبة أرادت أن تنتقم ممن خدع حبها بحب رجل آخر انتقاما لكرامتها وهى قصة: “المريضة”. وقصة أخرى بعنوان “فاتورة الحساب” تقدم صورة لرجل بخيل لا يستطيع أن يتخلص من هذا العيب حتى تخلصت منه خطيبته.

ومقدمة القصة عند “حسام أبو العلا” تحمل في طياتها روح الشخصية كما في قصة “مهمة سرية، ويأتي العنوان ملهما في قصة “النور المظلم” فبعد نجاح في إنجاب الزوج العقيم مدة طويلة جاء التوأم “نور” و”نورا” بصبر الزوجة وتشجيعها لزوجها وبعد قصة حب طويلة يموت الزوج ليختلط النور بالظلام. وقصة “الجدران” بالغة الدلالة على وقوف الظروف ضد الإرادة الحرة فإذا “أردت أن تغادر المكان فعليك أن تطلب الإذن”. فتكلفة عبور الجدران باهظة يصورها السارد في أفق رمادي تحت تلال من الغمام.

وقصص المجموعة بما تحمله من تكثيف درامي يمكن أن تتحول إلى عمل تلفزيوني أو سينمائي خاصة قصة “الرجل المعمم” وتصويرها لتهديد بالسكين للبطل في أوتوبيس مزدحم، وهى قصة حافلة بما يرشحها – كغيرها من قصص المجموعة- إلى شاشات التلفزيون أو السينما. وقصة “2050” تتناول الأمل في مستقبل أفضل في خضم اليأس من تدهور الأحوال. و”عوض الله” قصة تحمل وجدانا إنسانيا كبيرا لتعويض الله لإنسانة عانت كثيرا من حياة بائسة فأرسل لها الله من يحيل ضيقها فرجا. أما القصة الأخيرة في المجموعة بعنوان “العندليب” فقد دارت في إطار كوميدي لرجل يحب الغناء ويعتقد أن صوته جميل، بينما لم يكن الأمر كذلك. وقد نرى في مجمل هذه المجموعة القصصية امتدادا لأعمال “حسام أبو العلا” الأخرى مثل “نظرة وداع”، و”صيد الذئاب” سعيا وراء المزيد من التميز الإبداعي الذي أخلص لرسالته فلم يبخل عليه بآفاقه الرحبة وعوالمه البديعة.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.