اللوحة: الفنان العراقي فواد حمدي
خليل بوبكر

لن أتَّخذَ مُحاميا ضدّك أيها الليل
لأني عرفتك قبل ثمان وعشرين عاما
مُتّسعاً للقلب النزيف
ومعبرا للظباء التي تعدو في ميدان اللغة الصدئة.
كالطّبل
كآلة تعذيبٍ لشعراء القبيلة رأيتك
ومرتعا تتصادى به الشاردات
ذلك أن الحب أدركني مرّةً
“وقبل انتصافِ الصّيد فاجأني فهدُ¹”
واللّحظةَ…
لدي من الخراب: أنقاضُ روحٍ وتساؤل رحيب:
النجوم بقلب المدينة
السّماء الرائعة
الأسماء المَحطّات
التّبغ اللّعين
الوساوس المزروعة بين النّهد والصّرة
السّينما
ومفتاح دولاب أبي
من زرَعَ كُلَّ هذه القنابل بِرأسي.
***
يا ليل “مَلَّحَ² “
ميسمُ الطبيعة العريض على جبهتك
موجز لأهم أنباء الحفلات الشعبية؟
أم نقش قديم
لأسلاف الذكاء الصناعي؟
عرفتُكَ من أصابعك أيها الليل
لَمَّا أطعمتني الأزقةَ
وقلّبتَني على مرجلِ الخيبات
ثم كسوتَني معطفا من أزراره الفجيعة
ومن قُماشه الأسى
معطفا منهك الألوان
منهك الأكمام.
***
أيها الليل.
جدَّتي أصبحت في السبعين من عمركَ
فأعرني شرطيا ينظم حركة مرور السنين بقلبها
وإقامة دائمةً في صالون الحياة الذي يضيق عنها
كلما تفسحت في أرجائه
وعكازا مجربا
يعرف حيث تخطو فيسبقها.
ليلة مولدي
تتذكر أيها الليل
أنها كانت تحرسني
في المستشفى الوطني
وقرّرتْ شُجاعةً أن لا تذهبَ إلى الحمام
كذلك ناضلتْ حتى أغرقت العالم بجثّة أخرى
وبمزيد من الأسئلة
فما زلت أكبر، فيما ظلّتْ جدتي تتلاشى
جفت مياه الكلام من شفتيها
وأصبحتُ أحرسها ليلة وأغيب أخرى
فلا تماكسني أيها الليل على النصاب من
تغريبة جدة كانت أربعينية
عندما طوحوا في البئر يوسفَ “الأحداث³”.
فأنت تعرف أنني حين انتبهتُ إليكَ
كانت جدتي تطفئ المصباح
وكنتَ تربتُ على كتفِ الجدران، تعُضُّها
سالتْ دمائي
سالت دمائي
فكل جدران “مَلَّحَ” أشلائي.
وانتظر أيها الليل
لا تكتب لجدتي
“حفيدك أصبح شاعرا”
فهي عجيبة، تسمع الحروف ولكن…
لا تقرأُها.
1: من قصيدة للشاعر جاسم الصحيح.
2: حي ملح يقع في الضاحية الشمالية للعاصمة نواكشوط.
3: أحداث 1989 التي اندلعت بين موريتانيا والسنغال.