الوَجَعُ لا يَأتي مِنَ النّافِذَة

الوَجَعُ لا يَأتي مِنَ النّافِذَة

اللوحة: الفنان الكندي ماثيو وونغ

رياض عبد الواحد 

لأنَّ الرِّيحَ ـ وإنْ صَرَخَتْ ـ تَعبُرُ وتَمضي،

والغَيمَةَ ـ وإنْ أثقَلَتْ ـ لا تَلبَثُ أنْ تُمطِرَ وتَغيبَ،

أمّا الوَجَعُ، فَيَسكُنُنا.

الوَجَعُ لا يُحرِّكُ السّتائِرَ،

بل يُحرِّكُ ما تَوقّفَ فينا،

ما كُنّا نَظُنُّهُ طاوِيًا صَفحَتَهُ،

فَإذا بهِ يُقلِّبُنا كَورقٍ تَعبَ منِ الأرفُفِ والنّسيانِ.

*** 

الوَجَعُ لا يَأتِي مَعَ البَردِ،

ولا يُرسِلُ رُعاشَهُ مَعَ نَسمَةٍ خاطِفَةٍ،

بَلْ يَأتِي مِنْ نُقطةٍ فينا لا نَراها،

ولا نَعرفُ كيفَ وُلِدَت،

ولا لِمَ تَصرُّ على أنْ تَنبِضَ دونَ إذنِ القلبِ.

***

الوَجَعُ لا يَأتِي مِنَ النّافِذَةِ،

لأنَّها لا تَعرِفُ أسماءَ الّذينَ رَحلوا،

ولا تَحفَظُ مَلامِحَ الّذينَ تَركونا واقِفينَ عندَ العَتَباتِ.

الوَجَعُ هُوَ أنْ تَرى يَدَ أمِّكَ في الحُلمِ ولا تَستَطيعَ لَمسَها،

هُوَ أنْ تَسمَعَ ضَحكَتَكَ القَديمةَ في مَقهًى خاوٍ،

ولا تَستَطيعَ العَودَةَ إلى ذاتِ الكُرسِيِّ.

الوَجَعُ لا يُقبِّلُ الجِراحَ،

إنّما يَنبُشُها،

كأنَّهُ يَطلُبُ شَهادَةَ حياةٍ في صَمتِنا،

أو كأنَّهُ يُفتِّشُ عَنّا، فَلا يَجِدُنا إلّا مَكسورينَ،

نتأمَّلُ جُدرانَنا كَمَن يُطالِعُ سِجلَّ الخَيباتِ.

***

الوَجَعُ لا يَأتِي مِنَ النّافِذَةِ،

بَلْ مِنَ الأبوابِ الّتي تُوصِدُها الظُّروفُ في وجوهِنا،

مِنَ الأسئِلَةِ الّتي لا نَجِدُ لها مَرافِئَ،

مِنَ الأصداءِ الّتي تُكرِّرُ أسماءَ الراحلينَ

كَما لو كانتْ تُقيمُ عَزاءً في ذاكِرَتِنا.

الوَجَعُ… هُوَ نَحنُ،

حينَ لا نَعودُ نَعرِفُنا.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.