احتضار

احتضار

اللوحة: الفنان الألماني ماكس ليبرمان

فهد حسين العبود

لستُ نائمًا، لكنني أحاول 
أنْ أُبقي المشهدَ ثابتًا تحت جفنيَّ:
أمي لم تمت، 
وها هي الآن تروّض رغيف خبز مشاغب 
وتغني كي تنطلق الكلمات، 
لتأكلَ من خَشاشِ الأرضِ
(أمي لا تشك أبدًا، بأن الكلمات طيورٌ برية)
لا يزال المشهد ثابتًا:
أبي لم يمت،
وهو الآن يبتسم لشجرة زيتون فتية
ويُرسل، في غفلةٍ من أمي،
قبلةً لأولى ثمارها.
يستمر المشهد بالثبات:
سكانُ العالم:
أمي وأبي وأنا.
أبوابُ العالم:
بابُ منزلنا القديم،
وفتحةٌ في السياج الحجري.
العالمُ أصغرُ من أن يزاحمنا عليه أحد.
سماؤُه لا تتسع للطائرات النفاثة
تتسع فقط لدعاء أمي.
أرضُه لا تغري أحلام القادة
تغري فقط حلم أبي بأن يكبر ظل الشجرة.
تَنّورُ أمي، لا يسمو لأن يكون غنيمة حرب
إبريق شاي أبي أبخس
من أن يباع في سوق المستعملات 
يتحرك المشهد قليلا فأطبق جفنيَّ أكثر:
لم تأكل الحرب نصف أولادي
ولم يخطف البحر ما تبقى
أحصيهم كل ليلة على أصابعي
كلُّ خِرافي الصغيرة نائمة بأمان.
يتملّص المشهد، يجاهد جفناي،
أوشك على الاستسلام،
فأقرر أن أموت

قبل أن يتسع العالم أكثر. 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.