اللوحة: الفنانة لبنى ياسين
أتذكر في منتصف الشباب أنْ جمعتني مناسبة مع دستة من الزملاء والأصدقاء، تطرَّق الحديث إلى ذِكر الزوجة وما يجب أنْ تكون عليه شخصية الزوج في منزله.
وانفتحت شهِّية الجميع للكلام، تسابق كل منهم في الحَكي عنْ بطولاته وحِكمته وحَزْمه في بيته.
كيف يتعامل مع امرأته، ما هي التَنبيهات التي قام بإبلاغها للزوجة كي لا تَتعدى حدودها، متى يُطْلق “النَظرة والكلمة والملامة والعنف”، كيف يتحكم في علاقتها بأهلها ويُلقّنها كيف لا تَهتك أسرار بيتها.
ودارت منافَسة في حَكي الأحاديث والقصص والبطولات الذكورية، الجميع يحكي والجميع يُظهر تَصديقه بالكلمة والنظرة، وكلهم يجاملون بعضهم بعلامات التصديق والموافقة.
لم أتحدث وظللت أستمع وأدور بعيني ورأسي بينهم وهم يتكلمون، وكلما نظرت واستمعت لأحدهم دار في خيالي شريط الذكريات عما أعرفه عن حياته الأسرية الحقيقية، والتي أفضى بها إليَّ قديما عبر جلسات اعتراف وبَوْح، فأكاد أقسم أنَّ أغلبهم كاذبون ومُتفاخِرون ومساكين في بيوتهم.
وأقصد بمساكين؛ أنهم شديدو الحيرة في كيفية قيادة الحياة الأسرية سواء مع زوجاتهم أو أبنائهم، حتى اقتربتُ من لحظة لمْ احتمل فيها المزيد، فالتقطت الكلمة من آخر المتكلمين وهو يقول: “إنَّ زوجتي لا تناديني إلا (يا سي فلان)، ودوما تقول لي أنت سيدي وتاج رأسي.”
وهنا تغلبت وسوسة الشيطان عليَّ ولم أملك إلا أن أستلم الميكروفون، فقلت: “يا نهار أسود! ده أنا مراتي عندما تناديني تقول تعالى يا مدَهْول وروح يا مدهول!”
وساد صمت رهيب! وخاصة أنهم لم يعتادوا مني الاستظراف، لم أسمع ضَحكا ولا تَعليقا ولا حتى سبابا، فقط رأيت العيون الشديدة الاتساع تنظر إلي وتكاد تبتلعني، ولولا ستر ربنا وبقية هَيبة وحِفظ للعِشرة لأكلت عَلقةً ساخنة، ليس لأنني أهنت نفسي علانية بهذا التصريح، ولكن لأنني أهنتهم بانفلات لساني ونزعت غطاء المسرحية التي كانوا يمثلونها، فقد كانت مسرحية بعنوان: “للرجال فقط”.
