مخالب الصمت

مخالب الصمت

اللوحة: الفنانة الألمانية بولا مودرسون بيكر

محمد محمود غدية

ضربتها غيرة حمقاء فهجرت صامتة، بعد ان القت برسالة حزينة، الغت فيها العهود وسحب سفراء الأشواق، وزرع متاريس الفراق، وصف جند الكبرياء.

 لديها قدرة مدهشة على اعادة السفراء والعلاقات فى دبلوماسية هادئة، أربعة أعوام عمر زواجهما ولم يثمر عن اطفال، امتثل فيها لتصاريف الاقدار، لغتها بكماء صمتها هامس؛ اختار والده الذى كان بمثابة قدوته وكل الصحب والاحباب، شهيقه وزفيره؛ وامتثل لرسمه خارطة عبوره للمستقبل، وللعروسة التي راقته، وأد حب زميلته بقلبه ولم يعلن عصيانه.

يقضي معظم النهار فى معمل البحوث يرقب المشاهدات والنتائج ويتابع تجارب وابحاث زملائه وزميلاته، 

حياة مرهقة ملولة، يعود بعدها فى المساء، تستقبله زوجته بابتسامة مفاجئة، فى وجه انسان متعب، قلما تنفرح اساريره، حتى كان يوما شعر فيه بإجهاد وتصبب عرق غزير من وجهه فغادر، بعد ساعتين من بدء العمل.

فى المنزل كانت هناك مفاجأة فى انتظاره، الواحة التي كانت مطمئنة، تعصف بها ريح عاتية، وتتجمع فى افقها سحب سوداء.

لاول مرة يسمع للصمت ضجيج مثل قرع الطبول، وألوان رمادية تدور كموج البحر تضربه فى عنف، وألغازا مستغلقة على الفهم، تتصارع فى رأسه، رحابة المكان من حوله تضيق به، اشار لهما: اذهبا! بعد ان صورهما.

 كان لابد له من التطهر من كل تلك المرارات، فلم يجد سوى صدر والده، الذي اعتذر عن انه كان سببا فى هذا الزواج، طلب منه طوي الصفحة، العالم لن يخسر جزءا من بريقه فى غيابها! 

طوى أحزانه والقى بها بعيدا، وفى معمل البحوث، وجدها كأنها تنتظره فى حسنها الوثاب، ملكة متوجة فى عيون العالم، هى البدايات والنهايات، فى وجهها ابتسامة، وفى كفيها سراجا يزيح القتامة، ضربه طوفان الفرح، وارتعاشات اللهفة، هى من احبته فى صمت، صرخ فى وجهها: تكلمي قولي احبك، كفاني ما تجرعته من صمت الجليد. 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.