اللوحة: الفنان الفلسطيني فؤاد اليماني
عبدالناصر عليوي العبيدي

رَعَيْتُكَ غُصْنًا فِي رُبَى الْحُبِّ نَاهِضًا
وَرُحْتُ أُغَذِّيهِ الْحَنَانَ فَيَكْبُرُ
كَبُرْتَ كَمَا تَرْجُو الرِّجَالُ لِسَيْفِهَا
وَصُغْتَ جَبِينَ الْعِزِّ مَجْدًا يُبَشِّرُ
خَرَجْتَ كَبَدْرٍ فِي الدُّجَى تَحْمِلُ الضِّيَا
وَخَلْفَكَ أَحْلَامٌ تُضِيءُ وَتُزْهِرُ
وَكُنْتَ إِذَا نَادَى التُّرَابُ سَمِعْتَهُ
بِقَلْبٍ كَصَخْرٍ لَا يَلِينُ وَيُعْصَرُ
لَقَدْ عِشْتَ مِثْلَ اللَّيْثِ، تَرْفُضُ نَفْسُهُ
إِذَا مَا رَأَى الْأَعْدَاءَ تَطْغَى وَتَغْدِرُ
فَفِيكَ وُجُودُ الْحَقِّ قَامَ مُبَشِّراً
وَفِيكَ نُبُوءَاتُ الْأُبُوَّةِ تُثْمِرُ
فَلَوْلَاكَ مَا كُنَّا نُعَدُّ مِنَ الْوَرَى
وَلَا كَانَ فِينَا مَنْ يَرَى وَيُقَرِّرُ
فَمَا كَانَ فَقْدُ الْبَدْرِ فَقْدًا، وَإِنَّمَا
هُوَ الْفَجْرُ إِنْ جَاءَ الظَّلَامُ سَيُسْفِرُ
فَمِنْ نَفْحِ جُرْحٍ قَدْ تُفَتِّقُ وَرْدَةٌ
وَيَنْمُو رَبِيعٌ مِنْ دِمَاكَ وَيُزْهِرُ
وَقَدْ يَخْرُجُ الْمِسْكُ الدَّفِينُ مَتَى سَقَتْ
دِمَاؤُكَ تُرْبَ الْعِزِّ حَيْثُ تُفجَّرُ
وَكُلُّ انْطِفَاءٍ فِي جِرَاحِكَ غَائِرٌ
تَشُبُّ بِهِ النِّيرَانُ دَوْمًا وَتَسْعَرُ
وَكَمْ مِنْ صَبَاحٍ لَمْ يَجِئْ بخُيُوطِهِ
سِوَى طَيْف ظِلٍّ مِنْ ظِلَالِكَ يُخْبِرُ
وَأُمُّكَ تَبْكِي فِي الْخَفَاءِ كَأَنَّهَا
تَمُرُّ عَلَيْهَا الذِّكْرَيَاتُ وَتَعْبُرُ
تُقَبِّلُ تُرْبَ الْقَبْرِ شَوْقًا كَزَهْرَةٍ
تُصَلِّي عَلَى دِرْعِ الشَّهِيدِ وَتَذْكُرُ
جَلُودٌ وَفِي جُرْحِي نَزِيفُ مَعَازِفٍ
أُقَبِّلُ فِيكَ الصَّمْتَ، أَزْهُو وَأَفْخَرُ
تُحَدِّثُنِي الْأَيَّامُ أَنَّكَ نَجْمُهَا
فَأَبْكِي وَمِنْ دَمْعِي تَوَلَّدَ أَنْهُرُ
أَرَى فِيكَ مَعْنَى الْحَقِّ يَجْرِي كَجَدْوَلٍ
وَيَرْوِي ظِمَاءَ الصَّابِرِينَ وَيُنْصِرُ
تَرَكْتَ لَنَا حَدْبًا، وَهَمًّا، وَغَصَّةً
يُسَافِرُ فِيهَا كُلُّ حُرٍّ وَيُبْحِرُ
وَفِيكَ تَنَاهِيدُ الْبِلَادِ وَحِلْمُهَا
تَبُوحُ إِذَا عَيْنُ الْحَقِيقَةِ تُبْصِرُ
يَمُرُّ نَسِيمُ الصَّبْرِ فَوْقَ جِبِينِهِ
وَيَحْمِلُ ذِكْرَاكَ الَّذِي لا يُكَرَّرُ
وَمَا زَالَ فَوْقَ الرَّمْلِ خُطْوُكَ شَاهِدًا
يُقَبِّلُهُ التَّارِيخُ حِينَ يُسْطَّرُ
وَيَا قُبْلَةَ الدُّنْيَا عَلَى جُرْحِ بَاسِلٍ
تَنَامُ عَلَى أَكْفَانِهِ فتُعَطَّرُ.