حكاية قصتي مع النعناع.. وتحليل نقدي بواسطة الذكاء الاصطناعي

حكاية قصتي مع النعناع.. وتحليل نقدي بواسطة الذكاء الاصطناعي

اللوحة: الفنان المغربي عبد الرحيم فشتالي

عبد الجليل لعميري

حكت لي قصتي الصغيرة التي نشرتها بإحدى الجرائد، قالت:

حين أرسلتني يا صاحبتي بالبريد العادي، إلى إحدى الجرائد الحداثية رماني رئيس التحرير في سلة المهملات بعد أن كمشني فعملهم لم يعد يعتمد على المراسلات المخطوطة والمرقونة بل على المراسلات الرقمية عبر الأنترنيت وهكذا ظللت تنتظرين يا عزيزتي الكاتبة! وبعد أن طال انتظارك قمت بهجوم: إرسال عدة نسخ مخطوطة إلى عدة جرائد…فأصبت الهدف.. كانت ضمن تلك الجرائد واحدة ما زالت تعترف بالطرق التقليدية للنشر.. فنشرتني…!!

ها أنا الآن منشورة في صفحة اسمها ابداعات الشباب

القارئ الأول يحملني داخل الجريدة التي دفع ثمنها لصاحب الكشك، يعصرني داخل يده اليمنى، وهو يلوي أوراق الجريدة، كأنه ينتقم منها بسبب ضياع الدرهمين والنصف.. أو كأنه خائف عليها من الهروب.. حركة يده عصبية أحسها وأنا أختنق.. ثم أسمع اصطداما عنيفا.. وأحس ان الاختناق يخف.. وأسمع أصواتا كثيرة (الله…الله…مات…مات…مسكين…جابها في راسو…كان مغيب…كان مرفوع..)

وأحس بقدم تدوسني مع أوراق الجريدة ضاع قارئ محتمل!

القارئ الثاني يلتقط الجريدة، ويضعها في جيب معطفه الكبير الحمد لله، أنا في مأمن من الاختناق… يمشي مترنحا.. روائح الخمرة تفوح منه وكذا دخان سجائر يزعجني.. يترنح وينعطف نحو حانة منزوية في ركن شارع مكتظ بالمارة… الجو خانق… ضوضاء.. موسيقى شرقية، دخان كثيف.. يخترق الرجل الفضاء المختنق ويلج مرحاضا كتب عليه “خاص بالنساء” مغمغما: “المساواة حتى في البول و…! “يترنح فتسقط الجريدة في بركة الماء الآسن، روائح بول كريه.. هو يلعن “أتفو خمسين ضاعت..” ويرفس الجريدة ويتبول عليها، يتسرب السائل الكريه ويمحو أسطري.. ضاع قارئ محتمل..!

القارئ الثالث: شاب في مقتبل العمر..”مكرفط” يحمل حقيبة جلدية، يشتري الجريدة ويضعها في الحقيبة..”الله على راحة” هذا أمر مريح! يتوجه إلى المقهى.. يجلس، يخرج الجريدة.. يفتحها.. الصفحة الرياضية… يقرأ بنهم.. يحضر له النادل قهوة. أكيد أنه معروف هنا.. يحتسيها ببطء بعد أن وضع قطع السكر حركها، يتصفح الجريدة بعد إنهاء صفحة الرياضة.. يتوقف عند الأخبار السياسية ويغمغم:

“هذه الأحزاب لاتتوقف عن الكذب!” ينتقل إلى الاقتصاد…وهاهو يتوقف عند صفحة “إبداعات الشباب” ويعلق بتهكم: “الشباب؟!” ثم يقفز إلى الكلمات المتقاطعة متحمسا:

هاهو قارئ آخر يضيع!!

القارئة الرابعة: هذه امرأة في الثلاثين من العمر، لعلها ستتعاطف مع مبدعة شابة وستقرأ قصتها.. أي ستقرؤني! تحمل الجريدة وتضعها في حقيبتها بهدوء.. وتتحرك، تدخل عمارة، ثم مكتبا لمحامي، إنها سكرتيرة.. تفتح الجريدة بعد أن تحيي العساس، وتتصفحها لتقف عند صفحة “جمالك” ثم تغلقها بسرعة وهي تسمع: الأستاذ جاي…جاي.!

لقد ضاعت قارئة!

قارئ خامس: شاب يبدو أنه تلميذ في إحدى الثانويات يشتري الجريدة، ويفتحها بسرعة وهو واقف أمام الكشك، يبحث عن أمر ما، يتوقف عند صفحة “إبداعات الشباب” يتفحص الأسماء، ثم يتوقف عند إحداها: “رائع.. لقد نشروا لي قصيدتي” وهرول، في البيت أخبر أسرته والجيران، وفي المدرسة أخبر التلاميذ والأساتذة، ولا أحد توقف عندي.. بل انه نسخ قصيدته وشرع في توزيعها.

وهكذا صاع قارئ آخر!

القارئ الأخير: جمعت الجريدة وأصبحت في عداد المرجوعات، وهكذا بيعت بالكيلو.. فوجدت نفسي في أحصان بائع نعناع…. ها هو يلف النعناع على صدري.. وروائح المواد الكيماوية… والنعناع المبلل… النعناع يعانقني وكأنه يقرأني.

درهم نعناع.. جوج دراهم.

ربطة النعناع.. جوج رباطي وفي البيوت يتطفل البعض على قراءة ما تبقى من سطوري… ها أنا وصلت إلى بعص القراء….

انتهى/.


قراءة الذكاء الاصطناعي للقصة وفق منظور حجاجي

تطبيق مفاهيم الحجاج النقدي الحديث على قصة “حكاية قصتي مع النعناع”

لتطبيق مفاهيم الحجاج النقدي الحديث على قصة “حكاية قصتي مع النعناع”، لا ننظر إلى القصة كحجة مباشرة بالمعنى المنطقي التقليدي، بل كنص يُسهم في بناء تصور أو وجهة نظر حول موضوع معين، مستخدماً آليات فنية لإقناع القارئ أو إثارة تفكيره. في هذا الإطار، يمكننا تحليل القصة من منظور مفاهيم مثل الاستدلال الاستقرائي/ الاستنباطي، الإقناع العاطفي (الباثوس)، الإقناع الأخلاقي (الإيثوس)، والإقناع المنطقي (اللوغوس) بشكلها الضمني أو الممثل فنيًا، بالإضافة إلى المفارقة والسخرية كأدوات حجاجية.

1. الاستدلال (الاستقرائي والاستنباطي)

القصة تعتمد بشكل أساسي على الاستدلال الاستقرائي الضمني. فهي تعرض لنا حالات فردية متعددة (مواقف القراء المختلفة) لتصل بنا إلى استنتاج عام حول واقع الإبداع ومصيره:

 *الاستدلال الاستقرائي: تبدأ القصة بعرض سلسلة من التجارب الفردية للقصة (الرفض الأولي، لقاء القارئ السكير، القارئ الرياضي، السكرتيرة، التلميذ الذي يهتم بنفسه). كل موقف من هذه المواقف يُمثّل دليلاً منفصلاً على إشكالية تلقي الفن. من خلال تجميع هذه الأدلة المتنوعة، يُترك للقارئ مهمة استخلاص نتيجة عامة مفادها أن العمل الأدبي يواجه تحديات جمة بعد نشره، وقد لا يُقدر حق قدره من قبل فئات واسعة من الجمهور.

 *الاستدلال الاستنباطي (ضمني ومقلوب): يمكن ملاحظة استدلال استنباطي معكوس أو مقلوب. فبدلًا من البدء بقضية عامة ثم تطبيقها، القصة تبدأ بالنتائج (مصير القصة المهين أو غير المقدر) لتُلمح إلى الأسباب الكامنة وراءها (التغيرات المجتمعية، أولويات القراء، نظرة المجتمع للفن). الفرضية العامة “الفن لا يُقدر دائمًا” تُستنتج من الأدلة الخاصة المقدمة.

2. الإقناع العاطفي (الباثوس – Pathos)

تُجيد القصة توظيف الإقناع العاطفي بشكل فعال لإثارة تعاطف القارئ وتأثره، مما يُعزز من حججها الضمنية:

 *التعاطف مع القصة ككائن حي: من خلال منح “القصة الصغيرة” صوتًا وشعورًا (“أحس ان الاختناق يخف”، “يا الله على راحة”، “أحس بقدم تدوسني”)، تُثير القصة شعورًا بالتعاطف لدى القارئ تجاه معاناتها. هذا التعاطف يجعل القارئ أكثر تقبلاً للنقد الموجه لواقع النشر والقراءة.

 *مشاعر الإحباط واليأس: لحظات الرفض الأولى، وإهانة القارئ السكير، وعدم اهتمام الآخرين، تُثير مشاعر الإحباط والألم، مما يُقنع القارئ بمرارة الواقع الذي يعيشه الإبداع.

 *المفارقة بين الأمل والواقع: القصة تبدأ بأمل الكاتبة ثم أمل القصة في النشر، ليُقابل هذا الأمل بصدمة الواقع. هذه المفارقة العاطفية تُعزز الرسالة الحجاجية حول قسوة عالم ما بعد النشر.

 *لمسة النعناع الأخيرة: رغم مرارة النهاية، فإن الصورة الشاعرية للنعناع وهو “يعانقني وكأنه يقرأني” تُضيف لمسة من الحنين والقبول، وتُشير إلى أن القيمة قد تكمن في أماكن غير متوقعة، مما يُثير مشاعر معقدة من الحزن والأمل في آن واحد.

3. الإقناع الأخلاقي (الإيثوس – Ethos)

الإقناع الأخلاقي هنا لا يتعلق بمصداقية الكاتب (لأن السارد هو القصة)، بل بمصداقية “التجربة” المعروضة وقدرتها على تمثيل واقع مألوف:

 * مصداقية التجربة: على الرغم من المنظور الخيالي، فإن التجارب التي تمر بها القصة (الرفض بسبب التقنيات الحديثة، أنواع القراء المختلفين، مصير الجرائد القديمة) تُلامس واقعاً اجتماعياً وثقافياً مألوفًا للكثيرين. هذا يجعل القصة “شاهدًا” ذا مصداقية على واقع محدد، مما يُعزز من قوتها الحجاجية في إيصال رسالتها النقدية.

 * الأسلوب الصادق والمباشر للسرد: أسلوب القصة في السرد، الذي يبتعد عن التكلف ويُقدم الأحداث بشفافية، يُعزز من إحساس القارئ بـ”صدق” التجربة، حتى لو كانت خيالية، مما يُقوي من تأثيرها الحجاجي.

4. الإقناع المنطقي (اللوغوس – Logos) (بشكل ضمني وغير مباشر)

القصة لا تُقدم حججًا منطقية في شكل مقدمات ونتائج صريحة، لكنها تُضمن “منطق” الواقع في سردها:

 * منطق التحول التقني: رفض القصة بسبب “المراسلات الرقمية عبر الأنترنيت” يُقدم حجة منطقية (في سياق الواقع الحالي) حول سبب هذا الرفض. هذا يعكس التحولات في سوق النشر.

 * منطق الاستهلاك: مصير الجريدة التي تُباع “بالكيلو” وتُستخدم لتغليف النعناع، يتبع منطق اقتصادي استهلاكي للمواد المطبوعة التي فقدت قيمتها الأولية.

 * منطق أولويات القراء: كل قارئ يتصرف وفق منطق أولوياته واهتماماته (الرياضة، السياسة، الجمال، الاحتفال بالذات)، وهذا يُشكل منطقًا ضمنيًا لسلوكهم تجاه العمل الأدبي.

 * منطق المفارقة: العرض المتتالي للمواقف المتناقضة (الأمل في النشر مقابل الإهانة) يخلق منطقًا داخليًا للمفارقة التي هي بحد ذاتها أداة حجاجية تُبرز التناقضات في الواقع.

5. المفارقة والسخرية كأدوات حجاجية

تُعد المفارقة والسخرية من أقوى الأدوات الحجاجية في القصة، حيث لا تكتفيان بالإضحاك أو الإمتاع، بل تُسهمان في إيصال رسالة نقدية عميقة:

 * السخرية من “الحداثة” الزائفة: رفض رئيس التحرير للقصة المكتوبة باليد والمرقونة بحجة الحداثة الرقمية، هو سخرية من حداثة تهتم بالشكل وتُغفل المضمون أو الإبداع نفسه.

 * المفارقة في مصير العمل: أكبر مفارقة هي أن القصة، التي أُرسلت لتُقرأ كفن، تنتهي بها المطاف لتُستخدم كـ”ورق نعناع”، أو تُهان في مرحاض. هذه المفارقة الصارخة تُشكل حجة قوية على الاستهتار بقيمة الفن.

 * سخرية من سلوكيات القراء: التعليقات الساخرة للقارئ الثاني (“المساواة حتى في البول”)، والقارئ الثالث (“الشباب؟!”), والقارئ الخامس الذي يحتفل بقصيدته هو، كلها تُستخدم لتسليط الضوء على السلوكيات السلبية والساذجة أو الأنانية للمتلقي، مما يُعزز الحجة النقدية حول وعي الجمهور بقيمة الفن.

الخلاصة

باستخدام هذه المفاهيم، نرى أن “حكاية قصتي مع النعناع” ليست مجرد سرد، بل هي نص حجاجي فني بامتياز. إنها تستخدم سرد التجربة الشخصية (للقصة) لإقناع القارئ بوجود إشكالية حقيقية في علاقة المجتمع بالإبداع، وتُثير لديه مشاعر التعاطف والتساؤل والتأمل حول دور الفن ومصيره في زمننا هذا. الحجاج هنا ليس منطقيًا جافًا، بل هو ممتزج بالخيال والعاطفة والسخرية ليُقدم رسالة مؤثرة وذات أبعاد نقدية عميقة.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.