عقبات بلا جذور

عقبات بلا جذور

اللوحة: الفنان الأميركي كلارنس أندروود

“في مجتمع يعبد الشكل، يُصبح الزواج فعلًا اجتماعيًا أكثر منه إنسانيًا.

وفي ظل هذا الهوس، تنهزم العلاقات أمام شقة… أو شائعة”.

تزوّج شاب وفتاة وفق الطقوس الاجتماعية المعتادة: شبكة، دباديب، نيش، فرح، شقة… وتم الزفاف.. لكن سرعان ما تبدّلت الأحوال؛ استدان الشاب، فقد وظيفته، خسر الشقة، باعا الأثاث، وعاد كلّ منهما إلى بيت أهله.

سنوات مضت، لم يبق بينهما سوى رابط الزواج الشرعي. لا سكن، لا أولاد، ولا حتى أمل قريب بالاستقرار.

ورغم ذلك، يظلان زوجين شرعًا. يلتقيان، يخرجان، ويكافحان لاستعادة ما فقداه.. فهل يرى المجتمع في هذا الوضع حرجًا دينيًا؟ قطعًا لا.. ولكن هل يتسامح معهم المجتمع؟ قطعًا لا.. كل لقاء بينهما عرضة لسهام الإنكار، وكأن الزواج في نظر الناس لا يكتمل إلا بالأثاث والمكان والولد.

***

ماذا لو قرر شاب وفتاة أن يبدآ زواجهما من هذه النقطة بالضبط؟ بموافقة الأهل، دون إنجاب مؤقتًا، مع تعهد بالكفاح المشترك لبناء بيت؟.. الردّ جاهز:

•           “هي بنتنا سايبة”.

•           “لو طلّقها؟!”

•           “زواج من أجل الجنس فقط؟”

وكأن من يتزوّجون بالدباديب لا ينفصلون، وكأنّ الدعم النفسي، والعلاقة العاطفية، والكفاح المشترك… لا قيمة لها!

***

لنتخيل طرحًا أكثر واقعية: رجل أو امرأة خاضا تجربة زواج سابقة، أو حال دون زواجهما مسؤوليات مرهقة.

ألا يكون الزواج المؤقت أو الجزئي حلاً إنسانيًا؟ أليس في وجود رفيق يبدّد الوحدة والفراغ شفاء للروح؟ وهل تُعتبر الحاجات العاطفية والجسدية ضعفًا يُخجل منه؟

***

صديقي الأرمل يعيش وحيدًا بعد أن تزوّج أبناؤه وابتعدوا.. في الطابق العلوي، تسكن أرملة كانت صديقة زوجته، تعيش مع ابنتها المخطوبة منذ سنوات، والخطبة على وشك الانهيار.

اقترحت عليه: “تتزوجان، وتُخلي الأم الشقة لابنتها، وتحلان مشكلتين معًا”. لكن ظهرت العقبات:

1.         الأبناء: كيف سيتقبلون القرار؟

2.         الشقة: هي ملك للأرملة، فهل يسكن بها “غريب”؟

3.         الناس: “هل جنّ العجوزان؟!”، و”أين الوفاء للراحلين؟”.

تجمّدت الفكرة.. انفصلت الابنة عن خطيبها، وبقيت الأرملة مع ابنتها، وصديقي في وحدته، يواجه الشيخوخة بصمت.

نحن مجتمع يأسر قراراته بعوامل خارجة عن المنطق:

•           الطمع في شقة.

•           كلام الناس.

•           الخجل من الاحتياجات الإنسانية.

•           واعتبار الضعف عورة.

الشرع لا يمنع رجلًا وامرأة من الزواج ما دام هناك عقد وشهود.. لا يشترط مسكنًا، ولا يفرض شكلًا اجتماعيًا معينًا.. نحن من نخترع العقبات، ونؤلّه الأعراف.. نحن من نُعيق الحلال ونتلصّص على الحائرين فيه.. نحن من نحرم أنفسنا من السكينة بدافع الخوف من رأي الآخرين.. وهكذا تتكرر القصة… مصريًا، وعربيًا، وإنسانيًا.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.