شِرَاعٌ بلا سَفِينَة

شِرَاعٌ بلا سَفِينَة

اللوحة: الفنان جون برامبيلت

عبدالناصر عليوي العبيدي

هُدُوءُ اللَّيْلِ يَضْجَرُ مِنْ سُكُونِي

تَغُوصُ خُطَايَ بِالدَّرْبِ الْحَزِينِ

وَقَدْ سِرْنَا نُحَدِّقُ فِي سَرَابٍ

يُغَنِّي لِلعِطَاشِ بِلا مَعِينِ

أَنا والحُزْنُ أَنْشَبْنَا خِيَامًا

عَلى طَرْفِ الحَقِيقَةِ وَالظُّنُونِ

نُعَانِقُ لَيْلَنَا الْمَشْحُونَ زَيْفًا

تَرَاكَمَ مِنْ عَنَاءَاتِ السِّنِينِ

تَوَضَّأْتُ الْأَسَى فِي كُلِّ فَجٍّ

وَصَلَّيْتُ التَّوَجُّسَ فِي عَرِينِي

فَهَلْ فِي الْأَرْضِ مَا يُرْضِي احْتِمَالِي؟

وَغَدْرُ النَّاسِ أَصْبَحَ كَالْيَقِينِ

أَنا يا صَمْتَ لَيْلي، كُنْتُ طِفْلًا

يُخَبِّيءُ في النَّدى شَوْقَ الجَنِينِ

وَيَحْسَبُ أَنَّ في وَجْهِ المَرَايَا

رُجُوعًا لِلطُّفُولَةِ وَالحَنِينِ

وَلَكِنْ كُلُّ مِرْآةٍ تَصَدَّتْ

بِكَفِّ الشَّكِّ لِلْوَجْهِ الأَمِينِ

فَأَدْرَكْتُ النِّهَايَةَ قَبْلَ بَدْءٍ

لِمَا تَحْوِيهِ مِنْ خُبْثٍ دَفِينِ

تَعَلَّمْتُ الْوَدَاعَ بِكُلِّ صَوْتٍ

وَصَافَحْتُ الشِّمَالَ مَعَ الْيَمِينِ

أَنَا وَالْحَرْفُ نَغْزِلُ مِنْ شَظَايَا

رُؤًى تُقْصِي الرَّخَاوَةَ بِالْعَجِينِ

وَنَكْتُبُ فِي مَلَامِحِنَا حُرُوفًا

تَخَطَّتْ فِي الْوَرَى حَدَّ الْجُنُونِ

فَإِنْ سَأَلُوكِ عَنْ وَجَعِي، فَقُولِي:

شِرَاعٌ لَمْ يَجِدْ ظَهْرَ السَّفِينِ

أَنَا أَفْنَيْتُ شِرْيَانِي نَزِيفًا

وَصُغْتُ خُطَايَ مِنْ نَارٍ وَطِينِ

أُقَبِّلُ فِي الْغِيَابِ ظِلَالَ أَهْلِي

وَأَلْثِمُ فِي الْجِرَاحِ مَدَى الْوَتِينِ

سِهَامُ الْغَدْرِ لَمْ تَهْدِمْ قِلَاعِي

فَقَدْ بَنَيْتُ عَلَى صَخْرٍ مَتِينِ

وَلَا كَيْدُ الْحَسُودِ يَهُدُّ رُوحِي

هِيَ اعْتَادَتْ عَلَى صَوْتِ الْأَنِينِ

فَيَا صَمْتَ السِّنِينِ، أَجِبْ نِدَائِي

أَأَمْضِي، أَمْ أُقِيمُ كَمالرَّهِينِ؟

أَأُكْمِلُ سَيْرِيَ الْمَنْفِيَّ وَحْدِي؟

فتُطْفَأ نَشْوَةُ الْأَحْلَامِ دُونِي؟

وَهَلْ يَكْفِيكَ أَنْ تَبْكِي قَصِيدِي

إِذَا مَا مُتُّ وَانْغَلَقَتْ جُفُونِي؟

أَنَا فِي فِتْنَةِ الْمَعْنَى سُؤَالٌ

يُحَلِّقُ فَوْقَ هَامَاتِ الظُّنُونِ

أُغَذِّي الصَّبْرَ إِنْ مَا ذَابَ صَبْرِي

وَلَا أُفْشِي لِمَنْ حَوْلِي شُجُونِي

فإِنِّي لَا أُجِيدُ الْيَوْمَ عَزْفًا

سِوَى رَسْمِ السُّكُونِ عَلَى الْجَبِينِ.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.