اللوحة: الفنان الفرنسي كلود مونيه
ترجمة مهدي النفري

في “كاتفايك” حيث الأمواجُ المالحة
يا “راين” تهفو إليك في مهدِها
هُناك في رملٍ قاحلٍ مدفونٌ
قربانيَ النفيسُ للموت.
أريدُ أن أمزجَ الدمعَ بِمائِك
فحمِّلْ نفسَكَ ذاكَ السيلَ المالحَ
فلا عزاءَ للشاعرِ الكئيبِ
كي يسكبَ دمعاً على قبرِ الزوجةِ، ما اكتفى القلبُ من بكاها.
فكنْ يا “راينُ” القديم أنتَ رسولَ وجداني
واحملْ إلى مرقدِ الفقيدةِ
لغةَ إنسانيتي وضميري
وسلّمْ على الطفلةِ التي
كانَ الثرى قد ضمّها في حِجْرِه
قبلَ أن تغمضَ عينيْ من أنجبتْها ليَ
عن نورِ الحياة.
حفرتُ عن ابنتي الحبيبةِ
حينَ قضى الموتُ في أمرِ أمِّها
ووضعتُها في النعشِ العظيمِ
على الصدرِ الذي كان يُفترضُ أن يُرضعَها
وهي التي ما أحوجَها قطُّ لِغَذاء
ظننتُ أن بيتاً واحداً يكفيهما
فما وحّده الربُّ لن أفرّقَهُ
وأغلقتُ في الجرّةِ الكنزَ المزدوجَ.
فليُسمِّ هذه الأرضَ جنةً
من كانَ لا يسيرُ إلا على الوردِ
أما أنا فلا أرغبُ في العودةِ
خطوةً واحدةً في دروبِ الحياةِ.
وكلُّ يومٍ عَبَرتُهُ أُعدُّهُ غنيمةً
بالجهدِ والدمعِ عشتُه.
والحمدُ للهِ فكم من شمسٍ
دارت فوق رأسي لأكثرَ من خمسٍ وثلاثينَ
الوقتُ يتدحرجُ كالسيلِ الجبليِّ
فادفعْ برفقٍ رفاتَ موتايَ، يا حجرَ القبرِ
واستُرْ قريباً عظاميَ أيضاً
بجانبِ البقيةِ التي هي لي.
لماذا هذه القصيدة؟
في شهر نيسان 1819 تزوج الشاعر من كورنيليا شلتيما. بعد موت زوجته الأولى بفترة ولكن مرة أخرى لم يدم حظه السعيد طويلاً، لأن زوجته الثانية توفيت هي الأخرى في عام 1820 أثناء النفاس، بعد وقت قصير من وفاة ابنتهما الرضيعة. لم يستطع بورخر أن يتجاوز هذه الصدمة. وكانت هذه القصيدة من نتاج تلك الأزمة.
*كاتفايك مدينة هولنديه

إلياس أنيس بورخر Elias Annes Borger (1784-1820) هو لاهوتي وشاعر وأستاذ جامعي هولندي يُعدّ من أبرز علماء عصره. شغل منصب أستاذ في جامعة لايدن المرموقة، حيث درّس العلوم الإنسانية واللاهوت. اشتهر بورخر بأعماله الأكاديمية وشعره الذي تميز بأسلوبه الكلاسيكي وكان له تأثير واضح في المشهد الثقافي والأدبي الهولندي في أوائل القرن التاسع عشر. رغم وفاته المبكرة عن عمر يناهز 36 عاماً فقد ترك بصمة كبيرة كشخصية فكرية وأدبية بارزة.