لن أكون مجنونة مرة أخرى مثل وي هوي – تشانغ ييران

لن أكون مجنونة مرة أخرى مثل وي هوي – تشانغ ييران

اللوحة: الفنان الألماني إرنست لودفيج كيرشنر

ترجمة صالح الرزوق

التقيتُ وي هوي في ظهيرة أحد أيام كانون الثاني في مطعم يونغفو إيليت، الواقع على طريق يونغفو في شنغهاي. يبدو المبنى القديم ذو الطراز الغربي، والذي كان في السابق مقرًا للقنصلية البريطانية، في الشتاء كئيبًا. لم يُخفِ اللون الأخضر الباهت لأشجار المظلات في الفناء البرد المتسرب من بين بلاط الرصف الحجري. كنا من بين الزبائن القلائل هناك. اختارت وي هوي هذا المكان. أوضحت قائلةً: “لقد استمتعتُ كثيرًا هنا في شبابي”. مفهوم “المرح”، في هذا السياق، لا يحمل معنى يتجاوز مجرد تضييع الوقت. أنفاق بضع ساعات مع شخص ما يُمكن القول إنك “استمتعت بصحبته”. لديّ انطباع بأن هذه العبارة بدأت تُستخدم في الفترة التي كانت وي هوي لا تزال تكتب فيها، وأنها تُمثل موقفًا، وإعلانًا جريئًا بأن على الكبار الاستمتاع أيضًا. كنتُ من قراء وي هوي آنذاك. وكطالبة مُحبطة في المدرسة الإعدادية، كنتُ ألجأ كثيرًا إلى كتبها خلال فترات الدراسة المسائية. وكانت رواياتها بمثابة وعد: عندما أكبر، سوف أكون أيضًا إنسانة تستمتع بالحياة، مثلها – على عكس والديّ.

قالت لي: أنا من أشد المعجبين بروايتك “مجنونة مثل وي هوي”. قلت لها. “نعم؟ أعتقد أنني قمت بعمل جيد في تلك الرواية أيضًا”. أجابت وي هوي مبتسمة. تحدثت عن ماضيها كما لو كانت تتذكر صديقًا قديمًا، بإعجاب وحنان، على الرغم من أن نبرتها مشوبة بالخسارة. هناك تمزق واضح في شخصيتها – كما لو أنه بدون الانفصال عن ماضيها، لن تكون قادرة على أن تكون من هي عليه الآن بشكل كامل. كان ذلك في عام 2000 عندما تم حظر رواية “شنغهاي بيبي”، ثم غادرت الصين إلى الولايات المتحدة. قالت في إحدى المقابلات: “عندما وقعت أحداث 11 أيلول، كنت أتناول وجبة الإفطار”. الصورة التي ترسمها هي أنها شاهدت من نافذتها الطائرات وهي تتحطم في البرجين التوأمين، مما يعني أن 11 أيلول كان هو الشيء نفسه الذي حطم حلمها الأمريكي. لكن الحقيقة هي أنها لم تتمكن من الاندماج في أمريكا. بكلماتها: لم تكن غربية كما تخيلت. بعد عودتها إلى الصين، تزوجت على عجل وأنجبت طفلاً. سرعان ما انهار زواجها، وخلال تلك الفترة العصيبة، لجأت إلى العلاج النفسي، ثم أصبحت مستشارة نفسية. كما نما لديها اهتمام كبير بالثقافة الصينية التقليدية. طوال حديثنا، عبّرت عن آرائها بلغتيهما. لم يهمها عمق أسئلتي عنها، فقد كانت دائمًا تجد طريقها إلى تلك المناطق. لم يكن من السهل إقناع تشو وي هوي، المرأة التي كانت تجلس أمامي على الطاولة، لمناقشة وي هوي، المرأة التي كانت عليها سابقًا. تجدر الإشارة إلى أنها غيرت اسمها: فبعد أن تخلت عن لقبها عندما قررت أن تصبح كاتبة، عادت منذ ذلك الحين إلى لقبها العائلي، والذي ربما كان جزئيًا استجابة لرغبتها في إعادة التواصل مع عائلتها.

مع أن الحوار مع وي هوي لم يكن دائمًا مباشرًا، إلا أن هذا الانقطاع والرفض، وأسلوبها في الحديث، يرتبطان، إلى حد ما، بمسيرتها الأدبية المبكرة وكيف انتهت. ويكمن وراء هدوئها الخارجي حيرةٌ دائمة، انتبهت إليها عندما سألت: لماذا لم تُحظر جيا بينغوا، بينما مُنعتُ أنا؟. 

نشرت وي هوي روايتين أخريين بعد تعرض رواية “شنغهاي بيبي” لمقص الرقيب. وكما تقول العبارة الساحرة: “لا أحد يمنعك من الكتابة”. هذا صحيح. غالبًا ما يكون التوقف عن الكتابة خيارًا. كان الأمر كذلك بالنسبة لوي هوي. جعل تغيير الهوية، والضغوط التي أتت بها الأمومة، وضع القلم يبدو وكأنه طريق طبيعي. لكن صورة وي هوي مرتبطة تمامًا برواية “شنغهاي بيبي”. أعقب حظر الكتاب نفيها الخاص. إذا كانت تأمل في الحفاظ على جمهورها العام، فكان عليها أن تتوب وتصالح. وهذا بالضبط ما فعلته. في عام 2016، عادت إلى الأضواء العامة من خلال مقطع فيديو على منصة إعلامية جديدة: مستشارة نفسية ذات وجه نضر ترتدي تشيباو صينيا طويلا، باللون الأرجواني، وشعرها اللامع مربوط بشكل كعكة، وعلى وجهها ابتسامة هادئة. مثل الليل والنهار إذا قارناها بصورة صباها. 

أكثر ما أدهشني، في حديثنا، هو الشعور بالذنب الذي شعرت به تجاه كتاباتها السابقة، وهو الشعور بالذنب الذي كاد أن يبلغ درجة الخزي. قالت إنه خلال نشاطٍ عائليٍّ نظمته، وقفت امرأةٌ لتقول إنها بسبب قراءتها روايات وي هوي سعت للحرية، تمامًا مثل أبطالها، ولكن انتهى بها الأمر للإصابة بالصدمات والكدمات. 

شعرت وي هوي بالارتباك. قالت إنها ارتكبت أخطاءً، وبخضوعها للعلاج النفسي يُمكنها مساعدة الكثير من النساء وتعويض ما فاتها. لا أعلم إن كان هذا الشعور بالخطأ ناتجًا فقط عن رحلتها نحو تحسين ذاتها، أم أن بيئتها ساهمت أيضًا في تشكيله. على أي حال، الأمر المُريع هو أن تشعر كاتبةٌ بالخجل من شيءٍ كتبته منذ سنواتٍ طويلة.

لقد دمر عار رواية “شنغهاي بيبي” الصورة العامة لـ وي هوي، وهي ضربة قاتلة، إلى حد كبير، بسبب “طبيعة السيرة الذاتية” للكتاب. وصفت كلمة الناشر الكتاب بعناية شديدة وتعمدت تصنيفه بين أدب أشباه “السير الذاتية”، ولكن لسوء الحظ، لم يتوقف نقادها لتحديد أي فقرة مضافة ومتخيلة. في نظرهم، تتساوى وي هوي مع كوكو، بطلة الرواية: فتجارب كوكو هي تجارب وي هوي، ومعايير كوكو هي معايير وي هوي. تعشق كوكو براعة حبيبها الألماني بالجنس، وكذلك وي هوي. ومع ذلك، على عكس أي كاتبة مخضرمة قد تلتزم الصمت بشأن العلاقة التي تربط عملها بحياتها، بذلت وي هوي كل ما في وسعها لتقريب الاثنين معًا، ولجعل الناس يعتقدون أن ما كتبته هو قصتها الشخصية. حتى قبل نشر رواية “شنغهاي بيبي”، كانت تلعب على عنصر السيرة الذاتية في رواياتها. في عام 1999، أصدرت دار تشوهاي للنشر سلسلة “الجيل الأدبي الجديد”، التي حررتها الناقدة شي يوشون، والتي جمعت أعمال أربع كاتبات شابات، من بينهن وي هوي. كان عنوان كتاب وي هوي “مجنونة مثل وي هوي”، وهو عنوان عزز صورتها كواحدة من ما يُسمى بـ”الجيل الجديد”. وبالعودة إلى الرواية التي تحمل الاسم نفسه الآن، يتضح أن الكتاب من نسج الخيال. لكن وي هوي كانت آخر من يعترف أن القصة متخيلة. وأملت أن يعتقد القراء أن بطلتها هي نفسها.

وعندما صدرت رواية “شنغهاي بيبي” تأكد منحى السيرة الذاتية، مما أثار الشكوك. اتهمت ميان ميان، وهي كاتبة أخرى ذاع صيتها في نفس الفترة تقريبًا، وي هوي باختلاس سيرتها الذاتية وقالت: إنها “لم تعش أيًا مما تتحدث عنه في كتابها. كل شيء مُختلق”. ولكنه عند التأمل يبدو ادعاء سخيفا، إذ لا يُشترط على أي كاتب أن يكون قد عاش كل ما يكتب عنه. أليس “الإبداع” هو القاعدة الأولى للرواية؟ لكن في ذلك الوقت، كانت “السيرة الذاتية” هي السائدة في الأدب. ولهذا السبب، بالنظر إلى حركة تحرير المرأة في مطلع القرن، لم يتم الحكم على هاتين الممثلتين اللتين وصلتا إلى المقدمة بجودة كتابتهما، ولكن بناءً على أصالة العمل. كانت الواقعية محبذة. فاعتقد معجبو ميان ميان أن وي هوي سيئة لأنها غير صادقة. وفي حديثنا، تؤكد وي هوي الهادئة هذا الشك. وتقول بمرح طفولي: “نعم. لقد اخترعت كل هذا”.

لقد ذهبت إلى الحانات ورأت نوع الأشخاص الذين ستكتب عنهم. فتنها انحطاطهم وإسرافهم. ورأت فيهم شخصيات أفضل منها. “التقيت أنا ووي هوي في حفلة عيد ميلادي. 28 آب 1997. كانت ترتدي تنورة طويلة من القطن الأبيض، وبدت تمامًا مثقفة حديثة ذات عينين لامعتين، صارمة ولكنها تحترم نفسها كثيرًا” كما قال ميان ميان ذات مرة، في محاولة لكشف “الوجه الحقيقي” لوي 

هوي وإثبات أنها لم تكن هادئة على الإطلاق. اتضح أن هذا لا يبعد كثيرا عن الصورة التي قدمتها وي هوي عندما عادت إلى الظهور في عام 2016. يبدو أنها لم تكن متمردة أبدًا، ولم تكن بحاجة إلى “التوبة والإصلاح”. يمكن أن تكون الكتابة عملا ووهمًا. وقد فعلت ذلك بشكل جيد. إنه لأمر مؤسف أن فن الخيال لم يكن موضوعها الوحيد عندما كانت تفعل ذلك. أو بالأحرى، في سعيها الدؤوب نحو الأصالة، اضطرت إلى الانغماس في التخيل كما لو كانت تضحي بهويتها، وتسعى جاهدةً لجعل حياتها الحقيقية تشبه عالم كتاباتها الخيالي. حسنا مُنعت رواية “شنغهاي بيبي”. ثم انتقلت إلى أمريكا، حسنا كذلك. كل شيءٍ يتجه نحو “الجنون”، ولكنه أيضًا يخالف السعادة التي كانت تتوق إليها بشدة.

ماذا لو لم تنظر قط إلى روايتها على أنها سيرة ذاتية؟ هل كانت ستنجو من تلك العاصفة دون أن تُصاب بأذى؟ عندما اقترحتُ هذا، هزت رأسها بسرعة قائلةً: “لكن حينها لن أكون مشهورة”. حاولتُ إقناعها بأنه لا يزال بإمكانها جذب القراء بناءً على موهبتها وحدها، لكنها حركت رأسها بتردد، كما لو أن ذلك لم يكن أمرًا مقبولا. بالمقارنة مع الاهتمام الذي حظيت به سابقًا، أخشى أن “كثرة القراء” مسألة محصورة بالكتاب الشباب. 

منذ وي هوي وميان ميان، اختفت تقريبًا السيرة الذاتية النسائية من المشهد الأدبي الصيني. وبرزت مجموعة من النساء الشجاعات اللواتي كشفن عن حياتهن الجنسية في كتاباتهن، لكن هذه الأعمال غير أدبية إلا من بعيد. بالنسبة للعديد من الرجال، السيرة الذاتية النسائية تعني الكتابة عن الجنس، وعن قصة حب، لأن هذا وحده كفيل بإثارة اهتمام المرأة. بافتراض استمرار هذا التحيز المتجذر، من يجرؤ على المحاولة مجددا لإنتاج نصوص من هذا النوع؟

بالنسبة لـ وي هوي، كل هذا أصبح من الماضي. إنها مهتمة أكثر بالحياة التي تعيشها الآن. عندما طلبتُ فنجان قهوتي الثاني، قالت إنني أبدو كمن يشرب القهوة كثيرا، وهي تؤمن بأنه سيأتي يوم ما وأنضم فيه إلى معسكرها، وأصبح من محبي الشاي، فللتقاليد التقاليد سلطة هائلة. 

تشانغ ييران: هل يمكنكِ التحدث عن أعمالكِ الأولى؟ كثير منها بالغ الأهمية.

تشو وي هوي: لا أظن أنها كلها سيئة، لكنها ليست كلها رائعة أيضًا. على الأقل أستطيع اتخاذ قراراتي الخاصة بشأن جسدي. مع ذلك، بالنظر إلى فيلم “شانغهاي بيبي”، أشعر بالكثير من الذنب.

تشانغ ييران: لماذا؟

تشو وي هوي: أتذكر أن الجميع كانوا يتمنون لبعضهم البعض عيد أم سعيدًا في إحدى السنوات، في مجموعة WeChat  التي أشارك فيها، وأعلنت امرأة في منتصف العمر أنها من معجباتي. قالت إنها ممتنة جدًا لأنها استطاعت العثور على قدوتها السابقة مرة أخرى. لكنها قالت أيضًا إنها تعاني من الاكتئاب، ولم تستطع تحديد ما إذا كان ذلك بسبب صغر سنها، حيث لم تدرك أن هناك متعة مفرطة. وكانت كتبي جزءًا من هذا.

كانت مكتئبة، مريضة، ضائعة. لم أقل شيئًا في تلك اللحظة، لكنني اعتذرت.

لم أكن أفهم آراء القارئات. الآن، تُساعدني مسيرتي المهنية ككاتبة في عملي كمعالجة. أصبحتُ قادرة على مراعاة عقلية النساء، ومتابعة تقلباتهن، وألمهن وخجلهن، وملاحظة متى يستعدن قوتهن وثقتهن بأنفسهن.

هناك أشياء تعلمتها ولم أكن لأعرفها ككاتب. الآن ألتقي بأشخاص من مختلف جوانب الحياة. أشعر وكأنني طبيب حافي القدمين. علمتني هذه التجربة الكثير عن الطبيعة البشرية.

سيرة ذاتية حقيقية أم مزيفة؟

تشانغ ييران: أتذكر أن النقاد قالوا إنهم لم يعرفوا مدى اختلافك عن شخصيات روايتك إلا عندما التقوا بك.

تشو وي هوي: بالتأكيد! لستُ غاضبة حقًا. أحبُّ أن أحافظ على منزلي مرتبًا ومطبخي منظمًا.

تشانغ ييران: فهل يمكنك القول أن روايتك هي سيرة ذاتية؟

تشو وي هوي: لا، كنت أريد أن أصبح مشهورًة، ههه. أعترف!

تشانغ ييران: هل هو صحيح بنسبة ثلاثين بالمائة؟

تشو وي هوي: لن أخبرك، هاهاها. لكنها ليست سيرة ذاتية كاملة. لقد كذبت في بعض الحالات، من أجل التسويق. على سبيل المثال، المخدرات وما إلى ذلك، لم أتناولها. لكن معارفي فعلوا ذلك. كنا نعبد الغرب وكنا نشعر بسعادة غامرة إذا جاء أجنبي في ذلك الوقت. كان والدي في الجيش، وقد ربيت تربية لائقة للغاية. لطالما كنت قارئة جيدة وطالبة متحمسة، ولكن بدأت التمرد في الجامعة. كانت قبضة الثقافة الغربية عليّ قوية. ولهذا السبب اخترت الكتابة عن العلامات التجارية الفاخرة والفتيات اللواتي يشربن في الليل. اعتقدت أنه يجب أن أحاول العيش هناك. عشت في أمريكا لمدة خمس سنوات أو نحو ذلك، وحصلت على البطاقة الخضراء، لكنني لم أستطع التأقلم معها. في النهاية أدركت أنني لا أنتمي إليها. وهي ليست موطني.

ثم قرأتُ كتابًا عن وي وجين والسلالات الشمالية والجنوبية، وكيف كان الناس آنذاك يتلذذون بالانغماس في برك النبيذ، وشعرتُ برغبة في البكاء، فقد بدا الأمر مألوفًا جدًا. ازدهر الأدب والفن في غضون المئة عام الآنفة الذكر، بين القرنين الخامس والسادس. وانغ شي تشي، وشي لينغ يون، وكل تلك المجموعة – أحبهم جميعًا. ما زلتُ أقرأ بعض قصائدهم حتى اليوم قبل أن أنام. حينها ينتهي يومي، ويغمرني شعورٌ بالسعادة. حينها أعرف أين أنتمي، وأن الثقافة الصينية ليست كما كنتُ أظن.

تشانغ ييران: لو صُنِّفت روايتك على أنها ليست سيرة ذاتية، هل تعتقدين أن رد الفعل سيختلف؟ لقد اختلطت الكثير من الأمور بحياتك الشخصية، وربما لو وضحت الانفصال بينهما لهان الأمر عليك؟

تشو وي هوي: لا أعلم، يبقى هذا مجرد تكهنات.

تشانغ ييران: بطلتك مختلفة تمامًا عنك. كانت تلك من أيام دراستك في جامعة فودان، أليس كذلك؟

تشو وي هوي: لم تكن حياتي مرتبطةً بالحياة الجامعية، لكنني تمنّيتُ بشدة أن أُصادق الأشخاص الذين اقتبست منهم شخصيات روايتي، وأدخلتهم في القصة. كانت البطلة المرأة الحرة المثالية في ذهني – نسخةٌ منها على الأقل – وهي من إسقاطي الخاص. الأدب خيال، ولكن ليس تمامًا. إنه مبني على الواقع، وهكذا كان المجتمع آنذاك. كنت أشاهد من بعيد، وأتخيل أكثر مما أرى. لم أكن أتخيل أن العمل الذي كتبته فتاة في العشرين تقريبًا سيكون له كل هذا التأثير الهائل. لقد صُدمت.

“التحويل” و”الدعم”

تشانغ ييران: بالعودة إلى الماضي، ما هو أكبر تحول مررت به عندما انتقلت إلى الخارج؟

تشو وي هوي: التحول الأكبر عندما بدأتُ دراسة الثقافة الصينية، وكذلك كتاب “الأبراج العائلية” لهيلينجر. كمنهج علاجي، منحني هذا الكتاب أكبر دعم، وكان له تأثير كبير في عملي. عندما مر مثقفو السلالات الحاكمة القدامى، مثل تسنغ غوفان ووانغ يانغ مينغ، بأوقات عصيبة، عادوا إلى مسقط رأسهم “لاستعادة زمام أمورهم”. فعلتُ شيئًا مشابهًا جدًا – عدتُ إلى يوياو، إلى والديّ، وتعافيتُ. لقد منحاني الحب وساعداني في إنجاب طفلي. بالنسبة لي، حدث تحول حقيقي بعد الولادة، عندما بدأتُ أفكر في كيفية حل مشاكل حياتي. بعد أن أنجبتُ طفلي، بحثتُ عن لغة الثقافة الصينية. كنتُ أعاني من شكوك لم يجد الأدب المعاصر إجابات عليها. لكن قدمت الثقافة الصينية التقليدية الحلول. أما بالنسبة لأن أكون امرأة، فيبدو أن الأمر لا معنى له إلا بعد إنجاب طفل، وليس فقط عند بلوغ الخمسين. لا تزال الكثيرات من النساء في الخمسينات ولكنهن بنظري وكأنهن فتيات.

تشانغ ييران: ماذا لو لم ترغب المرأة في إنجاب طفل؟ هل يتغير موقفها؟

تشو وي هوي: لا، لا. على كل شخص أن يتبع مساره الخاص. كثير من النساء اليوم لا يرغبن بالإنجاب، بل يُفضّلن الاعتناء بأجسادهن وعقولهن. المهم هو إنسانيتك. جميعنا نشترك في طبيعة واحدة. لستُ من أشدّ مُعجبي النسوية. إنها قيود مُفرطة، ومُصنّفة بشكلٍ مُفرط. إنها تُمحي الفرد – فالمرأة قبل كل شيء إنسانة، وليس فيها ما يُميّزها عن الرجل. لكنني لا أنكر أن للنساء تجربةً فريدة. على سبيل المثال، لدينا شعورٌ بالعار الخاص بنا. تأتي دورتنا الشهرية كل شهر. نُرضع أطفالنا، لا شك أيضًا في أننا، كنساء، لدينا طرقنا الخاصة في التواصل والتعبير عن أنفسنا، لكنني لست مقتنعة بأنها ناجمة من النسوية. تحتاج النساء إلى الرعاية والحماية، وكذلك الرجال. لقد بحثتُ في أعماقي قدر استطاعتي، وجمعت بين الثقافة التقليدية وعلم النفس الغربي، لتعزيز فهمي للطبيعة البشرية. لنأخذ امرأة تعاني من العنف الأسري. لماذا لا تترك الرجل؟ هنا، لن أتسرع في إدانة التناقض بين الرجل والمرأة. بدلًا من ذلك، أتناول الأمر آخذة في عين الاعتبار الأنماط النفسية – أنماط التعلق، ومثلث الدراما. كما أنني أراعي تأثير الطفولة. إنها ممارسة فعّالة.

“الأوقات تصنع البطل”

تشانغ ييران: هل تقولين إن حظر كتبك كان ظالما؟

 تشو وي هوي: لا أستطيع أن أقول إنه كان ظالمًا إذا نظرت للوراء. فقد أثارت الكتب ردود فعل متباينة جدًا.

تشانغ ييران: هل كنت ستذهبين إلى أمريكا لو لم يتم حظرها؟

تشو وي هوي: كنتُ مهتمة بالثقافة الغربية. لكن الحظر زاد من اهتمامي بالكتب في الخارج. مع ذلك، لكل شيء جانبان.

تشانغ ييران: ما هو الجانب الجيد؟

تشو وي هوي: أجبرتني الرقابة على الهدوء. بعد حظر الكتاب، اضطررتُ للانسحاب. كانت فرصةً للتأمل والمراقبة. لم أعد أشعر بالظلم أو الخجل. وتقبلت الأمر.

تشانغ ييران: أنا أحب تلك الرواية القصيرة التي تسمى “مجنونة مثل وي هوي”.

تشو وي هوي: نعم. رواية “مجنونة مثل وي هوي” مكتوبة بشكل رائع. مؤثرة جدًا. تُشبه برج الجدي. مع ذلك، أغفلها الكثيرون. حققت رواية “شنغهاي بيبي” نجاحًا تجاريًا أكبر، لكن أعمالي الأخرى لم تحظَ باهتمام كبير. مع ذلك، أعدتُ القراءة لأجل الإعداد لهذه المقابلة، وشعرتُ بالسكينة بعد الانتهاء من قراءة “شنغهاي بيبي” . إنها تُمثل شنغهاي قبل الألفية بشكل رائع، كما أتذكرها على أي حال.

تشانغ ييران: لو كان المشهد النسوي في ذلك الوقت كما هو الآن، فهل من الممكن أن يكون مصير الكتاب مختلفًا؟

تشو وي هوي: لو نُشر الكتاب اليوم، لما حظي بأي اهتمام. الزمن يصنع البطل. كانت شنغهاي في التسعينات مركزًا لكل شيء حديث في الصين. احتضنت المدينة الغرب، وكانت مادية للغاية. لكن هذا يعكس جانبًا واحدًا فقط من تلك الحقبة.

تشانغ ييران: إذًا، انطلقت الفضيحة لأن الناس اعتقدت أنك تُبالغ عمدًا. بالنظر إلى الماضي، كانت المواقف تجاه تسويق الكتب متحفظة للغاية، في الواقع. أما اليوم، فيُنظر إلى قدرة الكُتّاب على الترويج لأعمالهم وبيعها بأنفسهم على أنه أمر إيجابي. ويبدو أيضًا أن هناك مبالغة كبيرة في تقدير مدى انخراطك. لم يكن بإمكانك توقع رد الفعل الهائل الذي حظي به كتاب “شنغهاي بيبي”.

تشو وي هوي: موافقة. كان نتاجًا لهذا العصر. قد لا أكون حكيمة جدًا، لكن لديّ رسالة نقية جدًا. إلى جانب مساعدة النساء، أريد البناء على ركائز من الثقافة الصينية. هناك احتمال أنه بمجرد ذكر الثقافة الصينية، تتبادر إلى أذهان الناس مسألة تقييد الأقدام، وتعدد الزوجات، وغياب أي قدرة للمرأة على اتخاذ القرارات. وهم محقّون، ولكن هناك أيضًا جانبٌ في الثقافة الصينية يصعب التعبير عنه. خذوا طبقة النبلاء المالكين للأراضي على سبيل المثال، تلك العائلات الميسورة، التي كانت تقودها الأمّ الكبيرة في السنّ. لقد تربيت على يد أجدادي، لذلك رأيتُ ذلك بنفسي. كانت الجدّات يُدِرن العائلات، ويرعين تقاليدنا الثقافية. ليس صحيحًا أن الثقافة الصينية دائمًا في تناقض مع المبادئ النسوية.

الثقافة التقليدية ومكانة المرأة

تشانغ ييران: هل تعتقدين أن الثقافة الصينية قادرة على جلب العزاء للمرأة؟

تشو وي هوي: ليس لديّ إجابة مثالية. لكن لديّ ملاحظات. شاهدتُ فيلمًا بعنوان “زفافي اليوناني الكبير” في نيويورك. يدور الفيلم حول ثلاث بنات في عائلة يونانية، وفيه مشهد تتحدث فيه الأم عن الزواج والحب وتصف العلاقة بين الرجل والمرأة. تقول: “والدكِ ليس من تظنينه. هو الرأس، وأنا العنق (والعنق يحرك الرأس).” وقد علّق هذا في ذهني. تقليديًا، كانت النساء خاضعات للرجال. عامل الرجل النساء معاملة سيئة، لكن الضحية قد تكون أحيانًا هي المُضطهِدة. في إحدى الحالات التي عالجتها، كانت لدى المرأة رغبة لا شعورية وقوية في إنهاء زواجها. كانت تُحاول باستمرار إبعاد الرجل عن حياتها، وتُصوّره كشخص سيئ، بل تدفعه إلى فقدان صوابه أو اللجوء إلى العنف. عندما تُمعن النظر في هذه الحالات، تكتشف أن الأمور ليست منحازة كما تبدو. قد يبدو أن الرجل هو الجاني، لكن في كثير من الحالات، تُظهر تجربتي أن الضحية هي المسيطرة – وهي من تُدير الأمور. لكن امرأة كهذه تُنقذ عائلتها أيضًا بتلقيها العلاج، وهي أيضًا المُنقذة. الأدوار الثلاثة واحدة، ويمكن تبادلها في أي وقت. لا يوجد منزل يضم مُضطهدًا مُطلقًا.

تشانغ ييران: هل تعتقدين أن الامتياز الأسري لن يتغير أبدًا؟

تشو وي هوي: أي علاقة جديدة أخرى قد تنشأ؟ إنها علاقة بين الرجال والنساء، بين النساء والرجال. لطالما وُجدت علاقات مثلية، وأشخاص يختارون البقاء عازبين، منذ القدم. ولكن، في مرحلة ما، لن يكون هناك زواج، ولا أسرة تقليدية. سيلتقي الرجال والنساء ويتواعدون، وينجبون أطفالًا، ويبقون معًا لفترة قصيرة، وهذا كل شيء. قد تختفي العائلات كما نعرفها. لهذا السبب أقوم بعملي، هذه هي مساهمتي، مهما كانت عديمة الجدوى: تحقيق بعض الانسجام بين أفراد العائلة. أنا فقط أمتلك جانبًا تقليديًا ومحافظًا جدًا في طبيعتي.

تشانغ ييران: كثير من جيل الشباب لا يتفاعل مع مفهوم الأسرة هذا. فهم لا يستقرون – وليس للأمر علاقة بالأطفال. ومع ذلك لا يزال التفاوت الاجتماعي بين الرجال والنساء قائما، ووفقًا لمنطق الأسرة، لا يمكن مطالبة الرجال بالتعاون مع العلاج أو الخضوع له بأنفسهم. هذه مشكلة هيكلية موجودة خارج الأسرة وداخلها. هذه البنية العائلية قد تؤذيك أيضًا.

تشو وي هوي: أعتقد أن النساء ما زلن بحاجة لوضع حدود. هذا أمر بالغ الأهمية. العديد من النساء العازبات اللواتي لم يُنشئن عائلات بعد، يلجأن إلى العلاج النفسي لأن علاقاتهن بذويهن تؤثر على علاقاتهن برؤسائهن وزملائهن وعملائهن في العمل. يبقى المنزل الأصلي حتمًا محور المشكلة. فنحن في مرحلة الطفولة هشّات، ونماذجنا المعرفية للعالم يشكّلها آباؤنا. مع نساء كهؤلاء، أبدأ بمعالجة علاقتهن بذويهن وأسعى إلى وضع حدود جديدة.

تشانغ ييران: هل تحاولين أيضًا تغيير آراء الرجال من حولكِ؟ إذا كانوا لا يحترمون النساء، على سبيل المثال، أو لديهم آراء تُزعجكِ. هل تعتقدين أنه من المهم تغيير آراء الرجال؟ هل تعتقدين أنكِ غيّرتِ زوجكِ كثيرًا؟

تشو وي هوي: أعبّر عن نفسي لزوجي. أُخبره أنني أُقدّر التواصل حقًا. المرأة التي تنظر إلى نفسها تحتاج أيضًا إلى التواصل مع العالم من حولها. لكن الأولوية تبقى لفهم نفسها. اليوم ذكرى زواجنا، ولكنه نسي ذلك. لاحظ كيف أتعامل مع هذا. لا أُقلّل من شأني، ولا أحاول إرضاءه، ولا أتصرف بعدوانية. أقول له: “زوجي، هل لاحظتَ أنني غير سعيدة؟” أُعبّر عن مشاعري فقط. ثم أشرح الحقائق. في صغري، لم أكن أتفق مع وجهة نظر تشان القائلة بأن العقل الخالي هو فترة سعيدة. كنت أعتقد أن الحياة بحاجة إلى إثارة، إلى نكهة. الألم قهوة قوية جدًا، غنية بالنكهة. يجعلك تشعر بحيوية كبيرة. يقول البعض إن الطبيعة البشرية تحتاج إلى الألم للبقاء، وأننا لا نستطيع العيش بدونه. ربما الكُتّاب أكثر من غيرهم – فهم يبحثون عن الخناجر وضوء القمر. لكنني الآن، أستمتع حقًا بالسلام والهدوء – والعلاقات الخالية من المشاكل.

تشانغ ييران: لو واصلت الكتابة طويلا، هل تعتقدين أنك ستستمرين بحب هذه النكهة؟

تشو وي هوي: سيتغير أسلوبي. أنا مفتونة بالثقافة الصينية، وأرغب في استكشاف التقاليد الصينية – نكهاتها في كتاباتي. أنت تتطرقين إلى مسألة كيف ننظر إلى ذاتنا السابقة، وكيف ترتبط تلك الذات بذاتنا الحالية. الحياة ليست مجزأة، بل مترابطة تمامًا.

اليقظة ضد إنكار الذات

تشانغ ييران: ما رأيك في ميان ميان الآن؟ ما رأيك في تداخلكما؟

تشو وي هوي: ليس لديّ معلومات ولا أتصل بها. لا أعرف كيف حالها إطلاقًا. لكنني لن أنساها.

تشانغ ييران: ما رأيك في منافستك لها؟ هل كان سوء فهم؟ يبدو للبعض أن ما كتبته ميان ميان أكثر واقعية، لأنه أقرب إلى تجربتها الحقيقية، وأن أعمالك كانت “مزيفة” لما فيها من خيال وتلفيق. وهذا يعني، بالنسبة لهم، أن كتابات ميان ميان أفضل. كل ما يدل على ذلك هو أن السيرة الذاتية لها الأسبقية في تلك الأيام. إلا أنه، بعد أن تعرضتَ للهجوم، كان بإمكانك أن تقولي: “قصصي مُختلقة، ما ذنبي؟”، ومع ذلك لن يُسمح لك بالابتعاد عن خيالك. سواءً أكان سيرة ذاتية أم لا، فالخطر قائم.

تشو وي هوي: لا أفكر في الصواب والخطأ بيني وبين ميان ميان. لا أحمل أي ضغينة لها. عندما أستمع إليكِ تتحدثين عن النسوية، وعن صعود كتابة السيرة الذاتية النسائية، أشعر أن هناك أوقاتًا لا يكون فيها جسد المرأة ملكًا لها. أحيانًا، ينبع التعبير عن الذات بطريقة لافتة أو مبهرة من وعي أعمق.

تشانغ ييران: الكلمة التي تستخدمينها كثيرًا اليوم هي “العار”. ورد ذكرها كثيرًا، لكن يبدو أن هذه الكلمة لا تنتمي إليك، ولا إلى قاموسك المعتاد. هل يمكنك أحيانًا أن تنتقدي نفسك بشدة؟

تشو وي هوي: نعم، بالطبع، عندما أشعر بالإحباط أو العجز، لكن هذا ليس خجلاً. الخجل ليس موجوداً دائماً. الطريق الوحيد أمام الناس هو أن يهتموا بذواتهم الداخلية.

تشانغ ييران: التغيير الداخلي هو الأهم. ولكن هل هناك طرق أخرى للتغلب على هذه المشكلة؟

تشو وي هوي: النظر إلى الخارج طريق مسدود. النظر إلى الداخل هو السبيل الوحيد. جميع مدارس علم النفس تقول: تغيير الآخرين؟ إنه أمرٌ مرفوض. لكن الجرأة على تغيير نفسك أمرٌ إلهي. تؤكد الدارما البوذية أن كل شيءٍ هو ببساطة أمر يتعلق بالوعي، وأن العالم انعكاسٌ لعالمنا الداخلي. العقل والمادة شيءٌ واحد. العالم ليس مجرد مادة.


تشانغ ييران Zhang Yueran  روائية صينية لها خمس روايات وثلاث مجموعات قصصية. ستنشر دار ريفرهيد بوكس ​​روايتها القادمة بالإنجليزية عام 2025. آخر أعمالها رواية “نساء جالسات”. 

تشو وي هوي Wei Hui روائية صينية من أعمالها: شانغهاي بيبي، الزواج من بوذا، صرخة الفراشة، العذراء في الماء، مسدس الرغبة، مجنون مثل Weihui. 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.