اللوحة: الفنان الأميركي تشايلد هسام

رجل وامرأة ليس في مساء العمر، المرأة تغالب دمعة حبيسة، خشية ان تسقط وتلسعها سخونتها، الصمت بينهما له ضجيج يطحن العظم، غادرهما جيش الاشتياق، يحتاجان لنهر يغسلهما ويزيح ركام الأحزان، يفترقان وكل منهما يتابع الآخر بعينين متوسلتين، تستجديان الأمل في لقاء جديد! 

 طوى الجريدة وغادر الحديقة والمقاعد الأسمنتية، وانزلق في الباص الذي كان مزدحما، متطلعا الى البؤس الزاحف على غالبية الوجوه، شدته امرأة تبتسم وهى تشيح بوجهها نحو النافذة، تتابعه عينيها السوداوين على حين غرة، يبحث عن امرأة تحايل حزنها بهدوء، وتتمكن من تليين عريكته، مؤجلة ردود افعاله، تمنحه اللهفة، يمسك بشذاها وينعس، متماسك شامخ، قابض على مشاعره لا يندفع، استعلاء الوجه في العينين، تنمان عن الكبرياء والتحفظ، لكن اذا امعنت النظر، تكشفان عن حزن دفين، في جعبته الكثير الذى يريد ان يرويه الآن، غادر الباص، اتسعت خطواته، المطر الليلي بلل مشاعره، وتركه يرتجف، نسي ان يرتدي معطف المطر والصقيع، فارتدى اكثر أردية الحكمة وقارا وسار.

تدثرت السماء بسحب داكنة خفيفة، ينادي امرأة تروي ظمئه حين يجف الحلق، تمازج بين الماء وبين النار، امرأة تكتبها الحكايات والأساطير، وأجمل ما سطر في كتب الحب والأشعار.. الريح تهزه بغلظة، والمطر يستهدفه ويقصده، وكأن الحياة تمنحه دهشتها الأخيرة.

امرأة تهرول نحوه، تلتصق به وتفتح مظلتها، رأى حبات ملح تلمع فوق شفتيها الممتلئتين، عيناها مفعمتين بحزن غامض، يتعذر تفسيره.. يدوران ويتداخلان في عتمات متحركة، عيونهما تمسح اللاشيء، واقدامهما تسير في اللامكان، عرجا في بساتين الحلم، اتسع القلق، متدحرجا في نعومة على اسفلت الطريق.

في منتصف اليأس، باغتهما ضوء ساطع كالنهار، والمظلة فوق رأسيهما تتقاطر دلف ومطر، كاللؤلؤ والمرجان.  

• قصة