اللوحة: الفنان الروسي فاسيلي كاندينسكي
ماهر باكير دلاش

كنتُ جالسًا في مقهى صغير، أحتسي قهوتي المفضلة، حين خطرت لي فكرة فلسفية لا تُشبه أي فكرة مرّت بي من قبل. قد يقول البعض: “أنت تحاول أن تبدع في التفكير، لكنك في الحقيقة قد غرقت في فوضى عقلية”، وأنا أقول: “لكن يا سادة، الفوضى هي الحقيقة الوحيدة التي أستطيع فهمها!”
المجتمع يظن أنه إذا رتب كل شيء، سيعيش في هدوء، لكنهم لا يدركون أن الهدوء نفسه فوضى منظمة. تخيلوا معي، كيف يمكن للإنسان أن يعيش في عالم يسير وفق قوانين محددة، بينما ذهنه يعصف بألف فكرة في الدقيقة؟ إن العقل، الذي يظن البعض أنه آلة متكاملة، لا هو إلا مُختبر تجارب مستمر، كل فكرة فيه هي مشروع فاشل ناجح في آن واحد.
فهل نحن فعلاً نعيش في عالم عقلاني؟ أم أننا فقط نتابع حركاتنا في هذا المسرح اللامتناهي، حيث كل فكرة تولد، ثم تُغادر في لحظة؟ أظن أن التفكير نفسه هو أحد أشكال الفوضى المُنظّمة، والبحث عن الحقيقة هو فقط مضيعة وقت جميلة.
لنتحدث عن “المنطق”، هذا الكائن الغريب الذي يظن الكثيرون أنه لا يُخطئ. المنطق، كما يبدو، هو محاولة إنسانية بائسة للسيطرة على الفوضى، لكن المشكلة تكمن في أن المنطق نفسه ينطوي على فوضى داخلية. كيف يمكن للمنطق أن يكون صحيحًا في حين أن العقل لا يزال يعجز عن تحديد ما هو الصحيح؟ أعتقد أن المنطق هو مجرد لعبة ذهنية، مثل الشطرنج، حيث لا تنتهي الحركات حتى تنتهي اللعبة، لكن في الحقيقة لا أحد يفوز أبدًا.
وفي النهاية، هل نعيش في عالم مستقر؟ أم أننا فقط نحاول أن نكذب على أنفسنا بما نعتبره “حقيقة”؟ إنني متأكد من شيء واحد فقط: في هذا الكون الذي يعج بالفوضى والضجيج، لا أحد يعلم كيف يعمل العقل حقًا، وأعتقد أن تلك هي الإجابة الوحيدة التي تليق بنا جميعًا.