صالح مهدي محمد
اللوحة: الفنان الأميركي جان باسكيات
ثَمَّةَ فضاءٌ للريح،
لا يُرى،
يمتدّ من داخل كلّ إنسانٍ إلى لا أحد.
تسير فيه الأصواتُ بعد أن تُقال،
تخلعُ معناها،
وتجلسُ على مقاعدَ من هواءٍ قديم.
كلُّ صوتٍ يحملُ ذاكرته الصغيرة:
ضحكةً،
صراخًا،
أو صلاةً.
في هذا الفضاء،
الأشياءُ لا تتكلّم،
لكنّها تُصغي.
الحجرُ يعرفُ مَن بكى عليه،
والبابُ يتذكّرُ مَن غادرَ دون أن يُغلقه.
هناك،
تُعلَّقُ الكلماتُ التي لم تُفهم،
مثلَ ذكرياتٍ لم تجفّ بعد.
أمشي في فضاءِ الريح،
صوتي أمامي،
يمشي وحيدًا،
ينظرُ إليَّ كأنّه لا يعرفني.
أمدُّ يدي إليه،
فيبتعد،
كأنّه يخافُ أن يعودَ.
أقول له: «ابقَ قليلًا»،
لكنّه يتلاشى
مثلَ فكرةٍ نَدِمَتْ على أن وُلِدَت.
في أقصى الفضاء،
صوتُ امرأةٍ يهمسُ لظلّه:
«هل ما زال الليلُ يذكرُ وجهي؟»
لا أحدَ يُجيب.
فحتى الصدى هنا يتعبُ من التكرار،
ويختارُ أن يصمتَ ليعيشَ أطول.
حين خرجتُ من فضاءِ الريح،
كان فمي خفيفًا،
فارغًا من المعنى.
لم أعدْ أتكلمُ بعدها،
صرتُ أتركُ الهواءَ يتحدّثُ عنّي،
وأكتفي بأن أكونَ فكرةً
قالها الغيابُ،
ثمّ نَسِيَها.