صالح مهدي محمد
اللوحة: الفنان الياباني أكيرا كوساكا
حين سقطت شظيّةُ ضوءٍ
في كيسٍ من رماد،
تناثرت حولها رائحةُ البدايات،
كأنّ الفجرَ أضاعَ طريقَه في الظلّ.
تراقصت الظلالُ على جدران الذاكرة،
تحاول تذكّرَ الضوء،
لكنّها كلّما لامسته،
تحوّلَت إلى رمادٍ من وهم.
أطرافُ الريح
تهمسُ بأسماءٍ لم تُخلق بعد،
تجسُّ نبضَ الممرّات القديمة،
حيث الأزقّةُ تلتفّ
كأوردةٍ عاريةٍ من الزمن،
تحمل صراخَ الحروف الضائعة،
ونبضَ الذين مرّوا ولم يعودوا.
قلبُ المدينةِ ينبضُ
في صمتٍ رماديّ،
كأنّ دمهُ من غبارٍ وحبر،
والنوافذُ تلفظُ أشعّةً بلا هويّة،
تتدلّى منها أنفاسُ النهاراتِ المجهضة،
كأنّ الضوءَ تعبَ من الانتظار.
كلُّ حجرٍ يختزنُ سيرةَ ظلٍّ مرَّ به،
وكلُّ عصفورٍ يلوّحُ بعينين
من دخانٍ وذاكرة،
كأنّه يبحثُ عن غصنٍ قديمٍ
نُسيَ في كتابٍ مغلق.
هناك، على هامشِ الليل،
تتأوّهُ الزهورُ أمام الفراغ،
تفتحُ بتلاتَها كأبوابٍ من شكّ،
وتسألُ النسيمَ عن معنى الوجود.
الفراشاتُ ترقصُ
على موسيقى الرحيل،
تطاردُ نثرًا من أحلامٍ مهجورةٍ
في الهواءِ الذي نسيَ أن يكون نسيمًا،
وتكتبُ على الغيابِ رسائلَ من غبارٍ أزرق.
وفي لحظةٍ مائلةٍ إلى التأمّل،
يهمسُ الضوءُ في أذنِ الماء:
الوقتُ خدعةُ ظلٍّ في مرآةٍ راكدة،
والأشياءُ تموتُ حين تُسمّى.
نحنُ خطوطٌ تمحوها الريحُ حين تشهق،
ظلالٌ تتدرّبُ على النسيان،
وأسماءٌ تحاولُ أن تتذكّر شكلَها الأوّل
قبل أن يفسدَها الوجود،
قبل أن تصيرَ صدىً
يمشي على أطرافِ الريح.