ظلال وأضواء

ظلال وأضواء

اللوحة: الفنان السوري عصام الشاطر

محمد محمود غدية

تتفجر الأشياء حوله، أثناء بحثه عن الحقيقة، التى اختفت فى بطن الزيف والزخارف والألوان، يطارد مئات النجوم والمنارات، لم يعد يقوى على اختراق شرنقة أوجاعه، لا يرى الشمس التى كانت تتراقص فى طرقات مدينته، وشوارعها المقفرة، سنوات عشر يمارس العيش والاغتراب، فى مدن الثلج، يحلم بمتكأ فى عيون امرأة، تشاركه وسادته الخالية.

قفزت على الفور أمام عينيه صورة فيلم الوسادة الخالية، يلفه ظلام الليل الرطيب، أصابعها نحيلة مرتعشة، وهى تحثه على شراء وردة تفيض نضارة وبهاء، حديثها مقتضب، أفقده تماسكه واتزانه وهى تصوب اليه نظرة ساحرة من عينيها الجميلتين، كيف لأبسط الكلمات، أن تفصح بدقائق جواهر الكلم فى سلاسة ويسر، تتمايل الأشجار الباسقة على صوت العصافير، ويزدهر سطح الأرض باللون الأخضر الزاهي المتناسق مع زرقة السماء الصافية، تلمع عين بائعة الورد، فيتجاوب معها التماع عينيه عشقا، انها آخر سلالات الأنوثة الطازجة والمعتقة، اقترح عليها شراء كل الورد المصفوف فى صندوقها الأنيق الذى يحمل رسم قلوب أضناها الهجر، مقابل أن تحتسى معه فنجان قهوة، ارتجف الكون فى موافقتها، وهى ترمى بخصلات شعرها الليلي للوراء، اجلالا وخشوعا، لو أشارت بطرف عينيها للصحراء، لتحولت على الفور، قمحا وشموسا خضراء.

طالبة فى معهد الموسيقى، عاشقة للوتريات، أسمعته من هاتفها، بعض ألحانها التى حملت معها رائحة عطرها، التى استنشقها فانسابت بأعماقه قشعريرة باردة، رطبت خياله، وتطايرت أبخرة عطره، واخترقت قفصه الصدري.

عرج حديثهما نحو الفنون والسينما والموسيقى التى تغذى العقول وترقق المشاعر، والتى لا تأتينا لكننا من يسعى اليها، ونصنعها كما السعادة، التى هى فى الغالب، تتوقف عن رغبة الانسان الصادقة فى أن يكون سعيدا، من يفهم هذه الحياة جيدا، لا يدع شيئا يحاصره، ويوجه له الضربات المؤلمة، لابد من القفز بعيدا عن الألم والتعاسة.

 صفق لها مهللا أمام فيض صفاء وأناقة حروفها المموسقة، عليه الامساك بهذه اللحظة الفريدة، على نحو غير مألوف بالنسبة له على الأقل، وحفرها فى ذاكرته الموبوءة بالصدأ، انها ليست موسيقية فقط على الوتريات، وانما منسق “مايسترو” لفكر العصر الذى تحياه، وقد منحته روشتة لا يكتبها طبيب.

فى انتظاره سعادة لا تأتي، انما هو من يصنعها، رائحة الورد، مازالت عالقة به وبالمكان حتى بعد أن غادرته.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.