اللوحة: الفنانة الكندية روبرتا موراي
محمد محمود غدية

رائحة الورد عالقة بذاكرته، منذ لامس كفها الرقيق، وأصابعها التي تشبه أصابع الحلوى، التي تدعوك لأكلها على الفور، محملين بذكريات الطفولة والصبا والحزن، دارت بهما الدنيا التي جمعتهما، ثم ابعدتهما مثل عصفوران سبحا في الفضاء، سعيا للحرية والعيش وحبات القمح، وجنتاها يشبهان بواكر تفاحتين، نضجتا حمراوين قبل الأوان، تحسبها هاربة من احدى اللوحات القديمة، غير مبالية بخصلات شعرها، التي راحت تتطاير وتلتف حول وجهها التفاحي والوردي، مع كل التفاتة منها، اعجابه بها يزيد يوما بعد يوم، كشجرة لبلاب متسلقة داخل قلبه، تشابكت وتعقدت فروعها، فأصبح التخلص منها مستحيلا، أشار للبعوضة التي وقفت فوق ذراعه قائلا:
إننا نشبه تلك البعوضة، في مملكة الليل الشاسعة، مضيفا أنها في حجمها الضئيل هذا، تدمي مقلة الأسد!
قالت من بين ابتسامتها: يا لغرابة الدنيا وغرائبية حبنا، يقتلني حبك كل يوم، من شك وغيرة وخوف من غد لم يأت بعد، أحصي ايامى معك، التي قفزت بي نحو الخمسين وانا مازلت في العشرين، أدميتني وكسرتني، معذرة لنزف الكلمات: لن اكون لك، ولن اكون لسواك، قلبي رغم مواجعه مازال يحبك، اخاف النوم، حتى لا احلم بك، جمدت في حلقي شهقات كوابيس الفراق، حتى اسمك لم أعد اذكره، لأنه تعويذتي وصلاتي الأخيرة، جرفني نهر الغرق دون أطواق النجاة، أنا ابنة التعاسة وهذه المدن البلهاء، كنت اغنيتي التي لم تكتمل، وقيثارتي الممزقة الأوتار، ربما أهتدي يوما في السير لآخر النفق، الى ضوء مرتعش شحيح، يلوح ثم يضمحل ثم يشتعل ثم ينطفئ.
وداعا يا حب سكن الوريد، السماء ملبدة بالغيوم القاتمة، فجأة كشرت السماء عن انيابها، تشاركه مرثية حبه الضائع، في هطول الأمطار الغزيرة لتغسله وتغسل البيوت والحوانيت والشوارع، وتفشل في اطفاء حرائقه، المحتاجة لعربات الإطفاء في كل العالم، تنفلت الوساوس من جعاب الحكايات، ويتكسر الضياء في السماء ويتفتت، وتنسدل خيمات الليل، عن فصل في الحكاية، عاش ورحل دون آثر، سيرة مهملة تطويها الأيام، وحكايات مآلها النسيان، تتصدع الأشياء من حوله، يصيغ السمع لصوت السكون المطبق والأحزان ويمضي وحيدا.