اللوحة: الفنان اللبناني أنطوان مطر
أشرف أبو اليزيد

الرَّجُلُ العائِدُ في إجَازتِه القصيرة..
ليسَ لديْهِ سِوى يَوْمَين؛
يَوْمٌ يَصِلُ..
يَوْمٌ يتهيَّأ للرحيل!
يَوْمٌ يَراهَا فيَبْكِي
يَوْمٌ تبْكِي وَهْو يُودِّعُهَا..
يَوْمٌ يَفتحُ للأصدقاءِ ذراعَيْه
يَوْمٌ يَضمُّ السَّراب.
يَوْمٌ يَحْكِي لهُمْ عَن الحَرْبِ
يَوْمٌ يَحْكون له عن ضحاياها.
يَوْمٌ للحياة..
ثم يوم لموتٍ طويل!
***
الرَّجُلُ العائِدُ في إجَازتِه القصيرة يَتذكَّرُ:
عندما قامتِ الحربُ
كيف وضعوا على عينيه علامات التصويب،
وسدوا بفوهات الدبابات فمه،
ومات دون أن يشم رائحة البارود.
***
الرَّجُلُ العائِدُ في إجَازتِه القصيرة..
يستقبله شَارعٌ في القاهرة، ورصيفان،
يسكب بينهما رمل الجسد المتصحر في غربته،
يحسب الأوراق التي احترقت في المعَاركِ الخاسِرة
تحتَ أعمدةِ النور والنار.
***
الرَّجُلُ العائِدُ في إجَازتِه القصيرة..
يشبه هذا الشارع حين يمر به موكب الحزن
فلا يترك غير وقع الألم
شَارعٌ في القاهرة
لمْ تعبرْهُ المَرَاكبُ وَالروحُ منذ ألْفَي عَامٍ
جفتْ الأشجارُ فيْهِ والناسُ
واختلط الطين بالعظام
لكنه يظلُّ يشبهُ نهرًا
كما تشبه الحياة الموت!
***
الرَّجُلُ العائِدُ في إجَازتِه القصيرة:
مثل شَارع في القاهرة
تطل عليه شرفة اليأس
ترقصُ النكباتُ داخله
تغوصُ أقدامهن في الدِّمَاءِ والجثثِ التي
نامَتْ في قلبه بعدَ أنْ أدتْ دورَها
في نشراتِ الأنباء!
***
الرَّجُلُ العائِدُ في إجَازتِه القصيرة:
يقلبُ الفؤادَ والبصرَ
في راحةِ الكفِّ بينَ مَدِينتيْن
رَسَمَتهُمَا السَّنوات
من رمال وريح ويَسْألُ:
كَمْ نكبة تكفي؟