كلمة السر

كلمة السر

اللوحة: الفنان الروسي فاسيلي كاندينسكي

عام 1939 توصل الفيزيائي «فردريك جوليو كوري» الحائز على نوبل، إلى برهان نهائي على أنَّ انشطار عنصر اليورانيوم «235» يتسبب في انفجار هائل ويمكن الاستفادة من هذه الطاقة، وبدأ نشاط محموم في ألمانيا واليابان وأمريكا وروسيا للسبق في الوصول إلى هذا الاختراع، وسبقت أمريكا الجميع وحازت القنبلة الذرية بمساعدة فريق يضم إثني عشر عالما حاصلا على جائزة نوبل.

حين انتصر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، تسابقت الدول المنتصرة إلى الفوز بعلماء الفيزياء، خاصة الألمان، ليضموهم إلى معاملهم التي تشتغل على إنتاج القنبلة الذرية، وبمجرد دخول الروس إلى أوربا الشرقية، اختبأ كثير من العلماء لأنهم كانوا يفضلون الانحياز للأمريكان، فنموذج الحياة الشيوعي لم يكن جاذبا لهم، وكان الروس يتوقعون صنع قنبلتهم الذرية في عام 1955، بينما كانت الخطة الأمريكية “ترايان”، تعمل على أن يقوموا عام «1950» بإلقاء «300» قنبلة نووية على سبعين مدينة سوفيتية وينفردوا بقيادة مبكرة للعالم.

بعد إلقاء القنبلتين الأمريكيتين عام 1945 على هيروشيما وناجازاكي باليابان، كان الرعب يسيطر على الروس، ولكن كان لديهم ميزة فريدة، أنَّ أغلب جواسيسهم في أوروبا من اليهود، وبالفعل كان الذي سرَّب من المشروع النووي الأميركي «150» رسما للأجهزة الضرورية لإنتاج القنبلة يهوديا، كما أنَّ الذي تسلمت منه الرسومات وأعطتها للمخابرات الروسية، الجاسوسة « لونا كوهين» وزوجها «موريس كوهين»، فاليهود هم من أنقذ الروس من التهديد بالفناء، وتمكنت روسيا من إنتاج القنبلة عام 1949، وحين قدَّم «ستالين» أرفع الأوسمة للعلماء الروس في احتفاله بإنتاج القنبلة الذرية الروسية، قال: 

«لو تأخرنا عاما واحدا لكانت تجربة القنبلة النووية فوق رؤوسنا»

هذه القصة تخبرنا بسبب تحول الإتحاد السوفييتي من أكبر نصير للقضية الفلسطينية إلى ثاني دولة تعترف بإسرائيل بعد أمريكا.

هناك قصة أخرى توضح سببا آخر لتسريب سر القنبلة للروس، وهي أنَّ طول عهد اليهود بالاضطهاد في أوربا جعلهم قادرين على قراءة المستقبل، فامتلاك قوة واحدة بالعالم للقنبلة الذرية يعني انفرادها بكوكب الارض وفقد التوازن، فكان القرار بتسريب أسرار القنبلة للروس.

***

عانى اليهود اضطهادا شديدا وطويلا في أوربا، ما إنْ يحدث طاعونا أو مصيبة، حتى يتطَيَّر المسيحيون من اليهود ويعبرونهم سبباً لأي وباء وبلاء، المدهش أنَّ العلماء الغربيين يُجمعون على أنَّ اليهود لم ينعموا في حياتهم بالأمن إلا في بلاد المسلمين، في الأندلس وفي ظل الدولة العثمانية.

في عام «1905»، ناضل «بلفور» اليهودي لإقرار قانون «الغرباء» في البرلمان الإنجليزي، قانون متحيز ضد اليهود، ينادي بالمنع والحَد من هجرة اليهود من أوربا الشرقية إلى المملكة المتحدة، انعقد المؤتمر الصهيوني السابع، وجاهر بالسخط والغضب الشديد على «بلفور»، اتهموه بأنه معاد للسامية، ولكن في عام «1917»، انعكس موقف «بلفور» وأصدر وَعْدَه الشهير بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وأصبح «بلفور» يتفاخر بأنه صهيوني، فما الذي غير موقفه في عشر سنين؟. 

كانت الحرب العالمية الأولى على أشدها، وكان البارود قليل عند الدول المتحاربة، توصل عالم الكيمياء اليهودي «حاييم وايزمان» صاحب كتاب التجربة والخطأ لآلية جديدة لاستنباط «الأسيتون الصناعي» الذي يستخدم في صناعة بارود المدافع، تمكن الإنجليز بفضله من توفير كميات هائلة منه صناعيا في الحرب، أحدث هذا الاكتشاف تفوقا هائلا لصالح الحلفاء، فكان النصر، لا يعلم أحد مصير الحلفاء لولا هذا الإختراع، كان هذا سر انقلاب موقف بلفور من اليهود، فقال كلمته الشهيرة، «لقد صهينني الأسيتون»، كان التفوق اليهودي في الكيمياء والفيزياء السبب الرئيسي في ضياع فلسطين. 

***

عندما عرض «الخديوي إسماعيل» بيع أسهم قناة السويس على الفرنسيين، علمت المخابرات الإنجليزية بالمفاوضات رغم سريتها، فتدخلت إنجلترا وعرضت الشراء، وتلكأت فرنسا طمعا في مزيد من التنازلات، فما كان من «دزرائيلي» رئيس وزراء إنجلترا اليهودي، إلا أن أسرع إلى صديقه اليهودي «روتشيلد»، والذي كان يُقرِض الدول، وأخذ منه التعهد بتمويل الصفقة فورا، نظرا إلى أن موافقة البرلمان قد تستغرق وقتا، مما يعطي فرصة لفرنسا أنْ تسبقهم إلى هذا الصيد الثمين، وكان ذلك إيذاناً بتطورات سياسية خطيرة لصالح سيطرة بريطانيا على مصر، ثم احتلالها فيما بعد بسنوات قليلة.

وهكذا كان العلم والمال – وأضيف لهما فيما بعد «الإعلام» – أدوات السيطرة اليهودية.

***

حصل «180» يهودي على جوائز نوبل من أصل «900» جائزة، أي أنَّ اليهود الذي يشكلون 0.2% من سكان العالم حصدوا 20% من الجائزة بفروعها المختلفة

يحكي أدوارد سعيد: «معي في القسم، زميلة وطالبة هندية يَسارية، تُساند الفلسطينيين وتهاجم الإحتلال والعنصرية الإسرائيلية، علمت دولة إسرائيل أنَّ لديها موهبة في الأدب والنقد، لو تركوها ليبرز نجمها مستقبلا، تصبح سلاحا مسلطا على إسرائيل، تهافتت عليها الجامعات والجمعيات الأدبية الإسرائيلية والغربية المدعومة من إسرائيل، تدعوها لإلقاء محاضرات وتمنحها جوائز، أغرقوها بالمنح المالية والتقدير المعنوي، قابلتني بعد ذلك فقالت لي :«ما زلت أرى أنَّ إسرائيل دولة استعمارية، لكن ما حصل لي من إحسان فوق الطاقة، فالذي أحسن إليَّ ليس الحكومة، إنما المجتمع الجامعي والناس، أنا مُقَيَّدة بإحسان لا فكاك منه».

وهذا يفسر سر وقوف أعضاء الكونجرس الأمريكي ساعات لا يتوقفون عن التصفيق والثناء حين يتصدر المنصة زعيم إسرائيلي ليتحدث، فالكرم الحاتمي الإسرائيلي غمرهم وأسرهم عبر عقود طويلة.

***

مجرد غرس قيمة أو هدف في الأطفال يتسبب في فرق هائل، كتب الشيخ «علي الطنطاوي» في مذكراته أنه في شبابه، كان يُدَرِّس في إحدى المدارس في العراق، وكان الذي يتصدر المراكز المتقدمة هم الطلبة اليهود، وأثار هذا ضيق المدرسين المسلمين، فالأغلبية مسلمة واليهود أقلية، فاتفقوا على أنْ يقوموا بفرض مواد قرآنية وإسلامية في المنهج، وبهذا سوف يكون صعبا على اليهود التعامل مع تلك المواد، فيصعد بعض المسلمين للمقدمة ويتشجع آخرون، ولكن الذي حدث أنَّ التلاميذ اليهود حفظوا ودرسوا المنهج الجديد، ونجحوا بتفوق في النظري والشفهي، ولم يتغير الوضع، وذكر «طنطاوي» أنَّ الأمر ليس متعلقا بالذكاء ولكن التربية، فالأسر العراقية لم تكن تُحَرِّض الأبناء على العلم والتفوق، بينما اليهود كانوا يُرَبُّون أولادهم على التفوق وعشق العلم والتعلم، لم يَتَزَمَّت اليهود ويمنعوا أولادهم من حفظ القرآن وأحكامه، بل حرَّضوهم على التفوق على الطلاب المسلمين في دينهم، فلا عُقَد ولا تَنَطُّع.

إنَّ مجرد تلقين الأطفال هدف قِيَمي وحيد، تسبب في سيادة اليهود للعالم، قيمة حب العلم والإصرار على التفوق فيه لأقصى مرحلة، هذا الهدف هو الوحيد الذي أنقذ اليهود من الفناء وخاصة في ظل الكُرْه المتحامل والمتطرف من الغرب لهم.

هذا هو تأثير اليهود عالميا، ¬قاموا بالتركيز على العِلم الرفيع والثقافة وأدواتهما، عاشوا فاعلين ومنفعلين بالبلاد التي يسكنوا فيها، قاوموا مشاعر الأقلية، كم نسبة الأقليات المسلمة في أوربا وأمريكا مقارنة بالأقليات اليهودية؟ اليهود قليلون جدا مقارنة بهم، ومع ذلك فما زال المسلمون في أوروبا وأمريكا منعزلين تماما عن البيئة الغربية ومنكمشين ولا يشاركون في أي من المحافل الثقافية أو الإعلامية أو السياسية، بل لو سألت أي منهم عن تاريخ وعادات وثقافة وقيم المنطقة التي يعيش فيها لما استطاع الإجابة، فكلمة السر هي: «التكيف والفاعلية والتعاون»، ورفض أن يعيشوا كطائفة غريبة في الناس.

بينما نحن مازلنا نبحث عن الهوية ونناقش الأصالة والمعاصرة، ونحلم أن يستقر مركبنا على شاطئ.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.