عيد الأم.. تجارة العواطف في سوق الاستهلاك

عيد الأم.. تجارة العواطف في سوق الاستهلاك

اللوحة: الفنانة الأميركية ماري كاسات

ماهر باكير دلاش

في كل عام، يطل علينا ما يُسمى بـ”عيد الأم”، ذلك اليوم الذي تُشحذ فيه المشاعر، وتُصنع فيه البهجة المصطنعة، ويتحول إلى مهرجان استهلاكي بامتياز. تزدحم المتاجر بالورود والشوكولاتة والهدايا المغلفة بعناية، وتتفنن الشركات في استثارة العواطف عبر إعلانات مؤثرة، كأنها تذكّر الأبناء فجأة بأن لديهم أمهات يجب الاحتفاء بهن!

ولكن، هل نحتاج إلى تقويم سنوي ليخبرنا أن للأم حقًا؟ هل يمكن اختزال مشاعر البر والامتنان في يوم واحد، بينما تُترك الأمهات طوال العام يواجهن الوحدة والتجاهل؟

  • الأم بين الدين والتسليع

في الإسلام، الأم ليست مجرد شخص يُحتفل به سنويًا، بل هي قيمة مقدسة، مرتبطة برضا الله، إذ جعل برها أولوية بعد عبادته مباشرةً: “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا”. لم يربط البر بتاريخ معين، بل جعله عبادة مستمرة، لا هدية موسمية.

أما في المجتمعات التقليدية، فلم تكن الأم بحاجة إلى عيدٍ يُذكّر الأبناء بوجودها، بل كانت محور العائلة وقلبها النابض، تُحاط بالتقدير تلقائيًا، دون ضغوط تجارية أو إعلامية.

لكن مع صعود ثقافة الاستهلاك، تغير كل شيء. صار للأم يومٌ محدد، لا لزيادة الحب، بل لزيادة المبيعات. أصبحت المشاعر تُباع وتُشترى، وبات الابن البار هو من يشتري أغلى الهدايا، لا من يكون حاضرًا مع أمه في حياتها.

  • عيدٌ زائف في مجتمع متناقض

لنتخيل المشهد: ابن لم يزر أمه منذ شهور، لم يسأل عن حالها، لم يجلس معها ليشاركها يومها، لكنه في 21 مارس يأتي فجأة محمّلًا بهدية، يلتقط معها صورة، ثم ينشرها على وسائل التواصل الاجتماعي مصحوبة بعبارات مؤثرة، ثم يختفي مجددًا حتى العيد القادم.

أما وسائل الإعلام، فتعرض قصصًا مؤثرة عن الأمهات، تُرافقها موسيقى درامية وإعلانات عن تخفيضات “خاصة بهذه المناسبة العظيمة”! فيصبح المشهد أكثر تناقضًا، حين يتحول البر إلى سلعة، والمشاعر إلى دعاية تجارية بحتة.

  • المأساة في البيوت المنسية

في الجانب الآخر، هناك أمهات ينتظرن مكالمة هاتفية لن تأتي، ورسالة تهنئة لن تصل، وهديةً لن يفتحها أحد لهن. ليس لأن أبناءهن بخلاء، بل لأنهم ببساطة لا يعتبرونهن جزءًا من حياتهم إلا حين يدفعهم المجتمع إلى ذلك عبر هذه “المناسبة”.

وهناك من فقدوا أمهاتهم، ليجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة عالم يحتفل بشيء لا وجود له في حياتهم. تتضاعف مشاعر الفقد، وتتحول المناسبة إلى ذكرى مؤلمة، بينما يتجاهلهم الجميع بمجرد انتهاء “العيد”.

  • العودة إلى الأصل

الحل ليس في إلغاء عيد الأم، بل في إعادة فهمه.

إن كانت الأم تستحق التقدير، فهي تستحقه كل يوم، لا في تاريخ تحدده شركات الهدايا. وإن كان لا بد من الاحتفاء بها، فليكن ذلك بزيارة صادقة، ووقت يُقضى معها، لا بمجرد هدية تُلقى أمامها في طقس استهلاكي جاف.

إن أكذوبة عيد الأم ليست في فكرته، بل في طريقة تطبيقه. فالحب لا يُباع في المتاجر، والبر ليس مجرد مناسبة سنوية، والأم لا تحتاج إلى هدية في يوم واحد، بل إلى ابن بارّ على مدار العام.

رأي واحد على “عيد الأم.. تجارة العواطف في سوق الاستهلاك

  1. ولكن، هل نحتاج إلى تقويم سنوي ليخبرنا أن للأم حقًا؟ هل يمكن اختزال مشاعر البر والامتنان في يوم واحد، بينما تُترك الأمهات طوال العام يواجهن الوحدة والتجاهل؟ شكرًا لحضرتك أديبنا الكبير، كلّ ما تحتاجه الأم، حفنة اهتمام، وكمشة عناية ودعم، يسندها بها أولادها على مدار السّنة، ما قيمة كل هدايا العالم، إذا لم تحاط الأم بهذه الهالة القدسيّة، وهذا التّقدير والاحترام.. ما أوسع قلوب الأمهات، وما أغلى حضورهن، هم نعمة من نعم الجنّة أكرم الله عزّ وجلّ بها البشرية، ليت الشرّ والقتل ينتهيان كرامة لقلوب الأمهات..

    إعجاب

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.