حنان عبد القادر وروايتها «سيامي»

حنان عبد القادر وروايتها «سيامي»

د. عوض الغباري

رواية “سيامى” للمبدعة الفنانة حنان عبد القادر صوت المرأة الباحثة عن أمان الحب وسعادته، لكنها تصطدم بخيباته، وتعاني من عذاباته، تخلص للرجل وتحبه من كل قلبها، لكنه يخونها ويسعى إلى إحباطها وتنقلب صورته من محب رومانسى إلى شخص قاس يتفنن في جرح شعور حبيبته وإيذائها بكل صنوف الأذى. وبطلة القصة فنانة محبة للجمال، والمسرح والرسم والأدب والموسيقى، لها رؤيتها الفلسفية في الفن والحياة وسيلة وغاية للأصالة الإنسانية وتطلعها إلى الرقى والسعادة والاستمتاع بالحياة. والرواية في عشرة فصول معبرة عن قناعات بطلتها، وقد تكون انعكاسا لشخصية مبدعتها.

الرؤية الفلسفية للحب والفن والحياة تتناولها الساردة برمز شفيف، وحكمة إنسانية عميقة، وصبر كبير على تقلبات الحب والحياة.

تعبر عن ذلك بقولها: “حيث تتقاطع الأرواح وتكشف الحياة عن وجوهها المختلفة”.

المرأة في رواية «سيامي» ل #حنان_عبد_القادر قوية حتى في انكسارها، تستعين بقيم الفن الرفيع لمواجهة الحياة، ذات عزيمة تستقطر حكمة الحياة في شقائها وتعاستها.. د. #عوض_الغباري

لقد اطردت قصص الحب الحار الجارف المخلص من جانب الحبيبة التى لم تجد إزاءه إلا النكران والجحود والتكبر والغرور من قِبل الرجل، وقد تملكته نشوة النصر على حبيبته معتقدا أنها ضعيفة لا حول لها ولا قوة. لكن المرأة في رواية “سيامى” لحنان عبد القادر قوية حتى في انكسارها، تواجه تقلبات الحياة بشخصية تستعين بقيم الفن الرفيع، وإخلاص العمل، والصبر على المآسى، ومواجهتها بعزيمة تستقطر حكمة الحياة في شقائها وتعاستها. ورواية سيامي، كما ورد فى آخرها ونتفق معه في قراءتنا لها، “سيرة ذاتية” لامرأة تعيش الحياة بكل تجاربها.

وتتعدد الأحداث وتتنوع الشخصيات ويتألق الحوار وتتنامى التقنيات الروائية مصورة نظرة الرجل للمرأة لنصل مع حنان عبد القادر المبدعة الإنسانة إلى أن التجارب البشرية واحدة، وإن اختلفت، لأننا جميعا متشابهون في الصراع بين مواطن الضعف في مفارقتها مع نوازع القوة. وتعبر فلسفة المبدعة في عتبة أخرى تتمثل في قول حنان عبد القادر: “إلى نفس الشجرة ننتمي، ثمة شبه يربطنا”.

والحكمة من أهم التيمات في رواية سيامى إذ تتعمق الهدف منها في كل فصل من فصولها في محاولة للغوص على هدفها وسعيها إلى المثال المنشود وقد أحاطه الواقع الأليم.

في فصل الرواية الأول بعنوان: “قنبلة موقوتة” يتضح أنَّ القنبلة الموقوتة هي القلب الذي يتقلب في خضم التعاسة وانكسار الروح مع محاولة بطلة الرواية الفنانة الممثلة المسرحية البارعة الخروج من صدمتها في حبها الأول إلى الحياة بكل آفاقها وروعتها فإذا بها ترى نموذجا لحب آخر يصدمها ويصيبها بخيبة الأمل.

بطلة الرواية مثال لرؤية الفن تطهيرا للنفس وإذكاء للروح خلافا لرأى مَن أحبته وقد رأى الفن جموحا وإذعانا للفوضى وانطلاقا نحو اللذة الجنسية دون قيد.

أما بطلة الرواية فتتطلع إلى الحب الذي يروى الظمأ والشوق إلى السعادة والاكتمال بالحبيب، وأما فوضى الفن ففى رأى الساردة أنه لا يحقق الهدف النبيل منه لأن “النظام سر الجمال وأناقته اكتمال”.

وحب المرأة للرجل لا يعنى التحكم في مشاعرها وفى طموحها وحقوقها الإنسانية المشروعة، وعلى هذه التيمة المتصارعة بين الرجل والمرأة تمضي فصول الرواية في استشفاف مبدعتها لقيم الفن والجمال والمشاعر الإنسانية في أجمل صورها متمثلة في الحب المنشود. وتبرع المبدعة الفنانة حنان عبد القادر في وصف الأماكن والمشاهد في الرواية، إذ تبدو هذه الأماكن كأنها لوحة فنية بارعة.

في رواية «سيامي» تبدع #حنان_عبد_القادر بأسلوب يقطر سلاسة وحكمة وبلاغة، تطرح مشكلات من صميم الحياة كتأخر سن زواج الفتيات ومصيبة ختان الأنثى في المجتمع المصري وغيرها.. د. #عوض_الغباري

كما تبدع في أسلوبها الذي يقطر سلاسة وحكمة وبلاغة ورومانسية مؤثرة في قلب المتلقى وعقله ووجدانه، مما يمضي بقراءة الرواية إلى استكناه إخلاص مبدعتها لقضاياها المتصلة بصميم الحياة ومشاكلها مثل تأخر سن زواج الفتيات، ومصيبة ختان الأنثى في المجتمع المصرى كما صوره الفصل الثاني بعنوان “صندوق أسود”، ومشاكل العمل في الخارج، كما في الفصل السابع وعنوانه “الدائرة”. وينحو الفصل الثانى من الرواية منحى مختلفا إذ الرجل فيه مخلص عاشق لحبيبته، لكنه كبير السن له زوجته وبناته اللاتى في سن حبيبته.

وتأتى نصائحه لحبيبته أمام أسرته آية في البلاغة والتأثير في النفس من رجل كان عنوان فصله “سيد الفرح الطفولى”، وقد نصح بطلة القصة حبيبته بأن تعيش ذاتها، وما أحكمها من نصيحة. وفى عبارات الفصل – كغيره- حكمته وفلسفته وروحه وفحواه كقول روائيتنا المبدعة، “في الرموز متسع، والإيحاء أجمل من التصريح”، وكأن في ذلك عزاء للحب المحروم.

كذلك تعبر بطلة الرواية عن حق المرأة في أن يكون لها حق التفكير مثلها في ذلك مثل الرجل فلا “يحتكر الفكر رجل ولا امرأة، الفكر حر متاح للجميع” على حد تعبير الرواية. وتقنية الحلم ثرية في بعدها الدرامى فقد حلمت الساردة بأن طفلها قد تاه في مولد السيدة زينب (أم هاشم)، ولاح لها أحد أعدائها، وكأنه وراء اختفاء ابنها إلى أن وجدته بين الزحام.

إن بطلة الرواية لها نصيب من اسمها وهو “غرام” فهى مغرمة بكل جميل، صادقة الحب لمن يميل إليه قلبها حتى تُصدم فيه. وفى تعبيراتها ما يعكس الرؤية الفلسفية والنفسية للمبدعة، في قول البطلة، مثلا: “نحن لا نختار حين نحب، ولا نحب حين نختار، الحب قدر يأتينا دون اختيار أو قرار”.

الحب قدر لا نملك له دفعا. والحب حياة الروح، وما أجمل أن نجد من يرسل قطرة فرح لروحنا الصادية، ويوهمنا بأننا الأجمل كي نكون.. #حنان_عبد_القادر

فالحب قدر لا نملك له دفعا. والحب حياة الروح، أو كما تقول بطلة الرواية: “ما أجمل أن نجد من يرسل قطرة فرح لروحنا الصادية، ويوهمنا بأننا الأجمل كى نكون”.

وفى فصل من الرواية بعنوان: “خيوط العنكبوت” تصوير لبطلتها كائنا نورانيا “يكفيه أن يتحدث فيحدث في روحك جلبة تتبعها رهبة من جلال”.

وفى نجوى الحب نجد تصويراً رائعا كسابقه في قول بطلة الرواية: “قلبى قيثارة تخبئ فيضا من الآلام، تنتظر مَن يحرر ألحانها، ويمسح آلامها لتملأ الكون بهجة”.

أما عنوان الفصل فهو عتبته يتجلى في قول الساردة “روحها الهشة من مرارة التجربة قد توقعها في حبال العنكبوت”.

وأما الأب المكلوم برعاية أبنائه بعد طلاقه لأمهم الخائنة فموضوع فصل بعنوان: “نهاية النفق”. ويتناول السرد قصة امرأة لعوب كانت السبب في تعاسة الأسرة، وإن كان ثمة أشياء في دواخل أفرادها، “تبشر أن شموعا تضيء لهم عتمة النفق”. وتغدو الرواية كنزا قصصيا تتوالى فصولها متشابكة في جدائل فن ممزوج بوقائع الحياة مجسدا نجاح مبدعة الرواية في تصوير علاقات الحب وقضايا الحياة من خلال الأجيال المختلفة من أسرتها، ومحيط معارفها وأصدقائها.

وتحكى الرواية قصة الحياة لعوبا “تبارك المقامر ولا تسعد إلا جريئا” في فصل بعنوان: “الحياة مقامرة كبرى” ختامه لوعة الأب الذي بقى وحيدا يجتر عذاباته بعد أن خانته زوجته، وكافح لتربية أولاده دون زواج آخر لتكون سلواه آيات القرآن الكريم” راحة تملأ روحه “رضا وتسليما بقدر الله”.

والفصل الذي يحكى تضحيات الأسرة في حرب أكتوبر 1973، عنوانه “أمل وجراح” حيث فُجعت جدة الساردة في ابنها الشهيد في تلك الحرب، وفى ابنها الآخر في حرب النكسة سنة 1967.

أما الصداقة فقد صورها الفصل التاسع بعنوان: “ورحلت وحيدة” بقول بطلة الرواية “كل صديق تتطور علاقتك به يجعلك تكتشف شيئا مختلفا في نفسك أو في العالم”.

وختام هذه الرواية الرائعة بحث عن حقيقة الحب في الفصل العاشر بعنوان: “أصوات من الماضى” حيث الشوق لقلب يحمل مشاعر صادقة، والانتظار ذات صباح إشراق الشمس بداخلنا، وما أروعها من نهاية انعطفت على بداية في هذه الرواية التى غمرتنا بمشاعر إنسانية صادقة عميقة تعد وسيلة الأدب الأصيل وغايته التى حققتها المبدعة “حنان عبد القادر” التى تستحق كل التهنئة والتقدير والاحترام على هذا العمل الأدبى البديع.


حنان عبد القادر

رأيان على “حنان عبد القادر وروايتها «سيامي»

  1. حنان عبد القادر وروايتها «سيامي»
    د. عوض الغباري – هنا أقول:
    حقا؛ تستحق التحية والتقدير على هذا الشرح الوافي الكافي
    الذي غمرني بالمعرفة الشاملة لكل جوانب الكتاب.
    ولكَ الشكر –
    انكَ تكتب عن الشاعرة الرقيقة حنان عبد القادر بهذا الأسلوب الراقي.
    تحياتي- وهيب

    إعجاب

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.