شهقة لا تنطفئ

شهقة لا تنطفئ

روزانا السيد بغدادي

اللوحة: الفنان البرازيلي ماركوس جينوزا

كم أنا شوقك، حين يضيق بك الوطن؟

وكم أنتَ منفاي، حين تضجّ الأمكنة بي؟

كم أنا النداء المختنق، حين يتأخّر صوتي عنك؟

وكم أنتَ رجفة اسمي، حين يمرّ طيفي بك في الصمت؟

كم أنا رسائلك التي لم تُكتب، ودمعك المُعلَّق في أطراف العيون؟

كم أنا غيابك الذي لا يبرأ، وحضورك الذي لا يُحتمل؟

كم أنا بين يديك… صلاةٌ عطشى، وظمأٌ لا يُروى؟

وكم أنتَ، في حنيني، سهمٌ مقيم… لا يُنتزع، لا يُنسى؟

كم أنتَ مطرٌ نافِر، يعود نديًّا إلى جلدي؟

وكم أنتَ سيفٌ من حرير، يشقّني بلا وجع؟

كم أنا فيك، حين تغيب، أكثر منّي حين أكون؟

وكم أنتَ جنوني العاقل، ورشدي التائه؟

أأنا مرآتك؟ أم عتمتكَ التي تُبصر بها؟

كم أنا ظلّك المتقدّم، وخطوتك المؤجَّلة؟

كم أنتَ نارٌ، وأنا أنثى لا تحترق… بل تضيء؟

كم أنا نبوءتك المنسيّة، على لسان عرّافةٍ عمياء؟

وكم أنتَ يقيني المرتجف، حين يتعثّر بي الإيمان؟

كم أنا مداك، وأنتَ عطشي الأزلي؟

كم أنتَ فصولي الأربع، تنهمر في نظرة؟

كم أنا وتري المشدود، وأنتَ رعشةُ اللحن الكامن؟

كم أنا قصيدتك المكتوبة بأنفاسك، والممزّقة بين يديك؟

كم أنا شهقتك الأولى، حين باغتك ضوء أنوثتي؟

وكم أنا… آخر حدودك، حين تكفّ اللغة عن الوصف؟

أنا انحناءةُ الوقت، حين يمرّ بك اسمي،

وارتجافةُ اللحظة، إن لامسَ غيابك جفوني.

كم أنا يديك، قبل أن تمتدّا،

وصوتك، قبل أن يُولد من الحنين.

وكم أنتَ فجرُ المعنى، حين يضيق النصّ،

وغيابُ اليقين، حين يُغلق عليّ القصيدة؟

كم أنتَ سرُّ الحرف، حين يتعثّر بي،

وأنا لغتك الناقصة… لا تستقيم إلّا بنقطةٍ من وجعي.

كم أنا انتظارك المعلّق في سقف الدعاء،

وأنتَ الرجاء الذي لا يُستجاب… كي لا ينتهي.

كم أنا في تفاصيلك نداءٌ لا يُرد،

وكم أنتَ في ملامحي سؤالٌ لا يُجاب؟

أنا الظلّ إذا ما أشرقتَ، والليل إن أطفأتَ حضورك،

وأنتَ الضوء حين يَعمى، والنارُ التي لا تحترق بي… بل تُزهِر.

كم أنا لغةٌ لا تُفكّ شيفتُها إلّا بعينيك،

وأنتَ القصيدة التي تُغلق فم البلاغة،

حين تنطقني بوجعٍ… يشبه الصلاة.

كم أنا أنفاسك، حين تضيق الحياةُ بالحياة،

وأنتَ شهقتي التي لا تنطفئ، ولا يُطفئها سواك.

كم أنا بكَ… فيك… منك،

وكم أنتَ فيّ، في وجعي، في مجاز دمي…

سكينةٌ لا تُحتمل، وقلقٌ لا يُروَّض.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.