اللوحة: الفنان النمساوي كيرت هيبك
سمية جمعة

صرخت الأم مستنجدة: أغلقوا النوافذ، إنهم قادمون.
– من يا أمي؟
علا صوتها وهي تقول: اليوم جارتنا (أم علي) همست في أذني… حدثتني.. لكن تعرفين بأن سمعي ضعيف! بالكاد التقطت منها بعض الكلمات.
– يا الله يا أمي تصدقين كل ما تسمعين، وكل ما يقال لك؟ لا تخافي، فإن مدينتنا آمنة، لا يدخلها أحد، دون رقابة وتفتيش الحمد لله، يقال بأنه حتى القط لا يستطيع الدخول.
اطمأنت الأم، خلدت للنوم، لكن ذلك الشعور العظيم بالخوف لم يفارقها، تلك الليلة، انتبهت سلوى، ابنتها الكبيرة، أحضرت لها حبة المنوم التي اعتادت عليها بعد رحيل الأب.
في تلك الليلة لم يغف لسلوى جفن، راحت تقلب الأمور على وجوهها، وتقول: ماذا لو دخلوا؟ كيف ستتصرف، وأمها المريضة، كيف كيف؟ ضجت الأفكار في رأسها، عصفت بها رياح القسوة.. يا الله لو أنها وافقت على وسيم! كان يمكن أن يساعدها. زفرت أمها زفرة طويلة، اعتقدت بأن نفسا أخيرا خرج ولم يعد، فتحت الضوء، تفحصت أمها، الحمد لله، إنها نائمة.
سكون يخيم على المكان، أثار ذاك الصمت شجونها، خرجت لباحة البيت، الكل نائم، صوت شخير والدتها كان يعلو ويعلو.. لأول مرة تشعر بالخوف، تراءت لها صور الحرب والدمار عندما كانت تشاهدها على التلفاز، حاولت تهدئة نفسها، وإبعاد شبح الحرب، لكن صوتا مدويا اخترق النوافذ، فزعت الأم، صرخت ما هذا؟ كان حديث الجارة صحيحا.
سلوى يا ابنتي، أمانة لو قدموا، لا تتركيني هنا، يقال بأنهم لا يرحمون كبيراً، أو صغيراً، دمعت عينا سلوى، أسرعت للغرفة الأخرى، حاولت لملمة الأشياء الثمينة، قالت: ربما قدموا فجأة، عندها نخرج بسرعة.. كان الوقت يمر زاحفاً، الساعات بدت ثقيلة، عيون الأم ترقبها بتوجس، كأنها تودعها..
– ما بك يا أمي؟
– لا شيء، أخاف عليك، لو مت ماذا سيحل بك؟!
– الأعمار بيد الله، المهم الآن أن يكون هناك مخرج للرحيل، الشوارع كلها محاصرة وهذا الهدوء يقلقني.
انتصف الليل، سلوى لم يفارقها شبح الموت الذي خيم على المدينة، فلبست ثوب الحداد.. يا الله، هل يعقل بأن أترك هذا البيت؟ ذكرياتي؟ طفولتي؟ حاولت استبدال صور الراحلين بصور أخرى، تنبض بالحياة، لكن عبثا، كان الطرق على الباب يعلو، وهي تحاول تجاهل ما تسمع، سمعت صوتا ينادي من خلف الباب: افتحي الباب قبل أن أحطمه، نحن نعرف أنه هنا.