مر طيفك برهة واستدار

مر طيفك برهة واستدار

اللوحة: الفنان العراقي منعم الحيالي

محمد محمود غدية

ارتديت نظارتي ذات العدسات المقعرة، كي أبصر في الأفق طيف واحة مورقة في صحراء أيامي المجدبة، أستل سيفي وانتعل حذائي، حتى لا تدمى قدمي من الحصى والحجارة والأشواك، أصارع طواحين الهواء، لفرط ما قاسيت من الشقاء، الشمس ارتفعت فى كبد السماء مستأذنة فى الغياب، كآبة الصمت هى الموسيقات التي تعزفها قيثارات منزوعة الأوتار.

ظللت فى مكاني لا أقدر على الحركة، حين انسابت من مذياع المقهى القديم أغنية لأ مش انا اللى ابكى: تبقى انت هاجرني / وانت اللى ظالمنى / وفاكرنى هاترجاك.

أصابني وجع مثل شجرة عجوز مخوخ، فى انتظار عاصفة او بعض ريح تقتلعها من جذورها، وتلقى بها فى موات جمر التدفئة، أحدهم أطلق رصاصة اخطأت الطائر المحلق فى السماوات، ليهجر الخيال ويهبط الى دنيا الواقع البغيض، بعد ان جفت مشاعره ولم يعد لديه سوى بضع نبضات بالكاد تكفيه ليعيش، القارب وسط الأمواج يتأرجح ويبتعد عن الشطآن.

 لا جدوى من المجداف وسط العواصف والأمواج، استأذنكم في حلب ذاكرتي الموبوءة بالصدأ؛ جميلة ذات عينين مكحلتين دون قلم الكحل، ناضرة كثمر المشمش والخوخ، شاردة اغلب الوقت، او مبتسمة بعينين حزينتين وما بينهما وجوم غريب، كأنها تعيش على هامش الحياة أو في كواليسها، تشقى بالعطش كشجر الصبر.

لا تشكو عطشها وتكتم مشاعرها، لا تدري ان النفس اناء إذا ضاق بما فيه انفجر، أفلتها من الوساوس، وكتبتها سطور خالدة فى كتاب الحكايات، عادت ضحكتها رائعة رائقة، مثل قطرة الندى البارد فى فم الظمآن، زحزحت الخوف والقلق.

كي لا يخدش جمال دفق الدفء ونبض الحس، لصقت صورتها فى بطاقة ملونة، وهي تدعو للحب تحوطها شموس صغيرة وأزهار ناضرة وشما فى صدري، حتى كان يوما لا أدري أهي السماء التي كانت ملبدة بالغيوم القاتمة، ام الأنهار نضبت مياهها، ام الحب هرم وتعثر وخار عزمه، فانقطع عن المسير؟ 

معذرة لجفاف الحبر وانتظار لحياة لم تأت بعد. 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.