اللوحة: جان جاك روسو بريشة الفنان الإسكتلندي آلان رامزي
شيكدار محمد كبريا

كان جان جاك روسو (1712-1778) من أبرز الشخصيات التي أرست دعائم الثورة الفرنسية بفكرها الثوري. كان فيلسوفًا ومصلحًا اجتماعيًا. ويُلقب بأبي الحركة الرومانسية لأنه اعتبر العاطفة أو الشعور مصدر المعرفة والحقيقة، وليس العقل. ومن أشهر أعمال روسو: “مقال في أصل عدم المساواة بين البشر” (1753)، و”جولي، أو هيلوسي النبيلة” (1761)، و”إميل” إو “في التربية” (1762)، و”العقد الاجتماعي” (1762)، و”الاعترافات” (1782).
عارض روسو الآراء السائدة حول العلم والفن في ذلك الوقت، قائلًا إن العلم والفن لا يُسهمان في تقدم البشرية وتطورها، بل هما المسؤولان عن انحطاطها. إن تأثيرهما على الشخصية البشرية بالغ الخطورة، إذ يدفعان الناس إلى الترف. وهو مصدر العلل الاقتصادية والاجتماعية. ولذلك، يُعدّ العلم والفن عدوّين لرفاهية الإنسان.
وفقًا لروسو، الشعب هو صاحب السيادة الحقيقية. وبغض النظر عن شكل الحكومة التي تُمارس من خلالها السيادة الشعبية، يجب الإطاحة بالحكومة عندما تصبح هي نفسها صاحبة السيادة وتفشل في عكس آمال الشعب وتطلعاته. وللشعب أيضًا الحق في القيام بثورة إذا لزم الأمر. وفيما يتعلق بالعلاقة بين الدولة والدين، قال إن الدولة لن تدعم أو تشجع أيًا من الكاثوليك أو البروتستانت.
ومع ذلك، فإن الدولة لن تشجع فحسب، بل ستفرض بقوة، الدين الطبيعي الذي يتكون من الإيمان بوجود الله، وخلود الروح، والثواب والعقاب في الحياة الآخرة. وستُتخذ إجراءات عقابية ضد غير المؤمنين بهذا الدين الطبيعي، وإذا لزم الأمر، سيتم نفيهم من البلاد. وإذا تخلوا عن الدين الطبيعي بعد اعتناقه، فسوف يُعاقبون بالإعدام.
ووفقًا لروسو، يقودنا الشعور إلى حقيقة لا شك فيها، وهي أن التفكير في الأمور العلائقية والاستدلال مستقلان عن الحس والإدراك الحسي للأشياء. لأن الإدراك الحسي والحس عمليتان سلبيتان منفعلتان، بينما الفكر أو الاستدلال عمليات نشطة فاعلة؛ وقال: «أنا صانع أفكاري بنفسي؛ ولهذا السبب لستُ كائنًا حسيًّا أو سلبيًّا فحسب، بل كائنًا نشطًا وعاقلاً. وبفضل حرية الفكر والفعل، أتميز عن سائر الكائنات. هذا الشعور يمنحني قناعة راسخة بخلود الروح». وحسب رأيه، فإن الله موجود منذ الأزل. فبالنسبة إلى الله، كل حقيقة هي فكرة، وكل مكان هو نقطة، وكل زمان هو لحظة.
بالإضافة إلى انتقاده للنزعة الإثارية (الحسية)، والمادية، والإلحاد، والأخلاق الأنانية، انتقد روسو أيضًا الوحي. وحسب رأيه، لا حاجة لمذهب خاص سوى الدين الطبيعي القائم على المبادئ الأساسية الثلاثة: الله، وحرية الإرادة، وخلود الروح؛ لأن المذاهب الخاصة تشوه المفهوم الحقيقي لله وتجعل الناس غير متسامحين، ومتغطرسين، وقساة.
يُعتبر روسو ضمير فرنسا ضد الأيديولوجيات المادية والإلحادية. كما كان منتقدًا صريحًا للنزعة الفكرية (العقلانية). ووفقًا له، لا ينبغي أن يشارك العقل وحده في اكتشاف المعرفة والحقيقة، بل الشخصية بأكملها. ويتجلى رأي روسو بوضوح في مذاهب المفكرين والفلاسفة الألمان البارزين مثل غوته، وكانط، وفيشته.
في رأي روسو نجد أنه لا يؤمن بالتجريبية (النزعة الحسية)، أو الفكرية (العقلانية)، أو الحدسية كمصادر وحيدة للمعرفة. إنه يولي أهمية للشخصية بأكملها في اكتشاف المعرفة. ونحن نعلم قطعًا أن الفرد لديه هذه المشاعر – الإحساس، والفكر، والحدس – ومن أجل الوصول إلى المعرفة والحقيقة، فإنه يستخدم كل هذه بالضرورة. يؤمن روسو بشدة بوجود الله، وحرية الإرادة، وخلود الروح، والمكافآت والعقوبات في الحياة الآخرة. ويصرح بأن هذه هي المبادئ الأساسية للدين الطبيعي التي ستشجعها الدولة وتفرضها بقوة. وفي فكرته الثورية للإصلاح، يرفض روسو بشدة المادية والإلحاد والأخلاق الأنانية (القائمة على المصلحة الذاتية).