أمواجُ الذاكرة

أمواجُ الذاكرة

صالح مهدي محمد

اللوحة: الفنان السوري لقمان أحمد

(1)

الذاكرةُ ليستْ بحرًا،

بل شظيةُ ضوءٍ نسيَتْ شكلَها وهي تتكلم.

الزمنُ – ذريعةُ الماء.

والماءُ – جرحٌ يُفكِّر.

(2)

أرى وجهي يتموّج في المرآةِ كجملةٍ فقدت نحويّتها،

أمدُّ أصابعي إلى الغياب،

فتنفجرُ لغةٌ صغيرةٌ بين أظافري.

تقول:

“كنتَ هنا – قبل أن تكون.”

(3)

في داخلي، أمٌّ تطرّزُ الوقت بإبرةٍ من نسيان،

ورجلٌ يكتبُ سيرتَه على ظهر موجة.

كلّ حرفٍ يطفو،

ثم يعود سمكةً ميتةً إلى فمي.

(4)

الأمواجُ تمرّ بي كما تمرّ القصائد بالرماد.

أسمعُ أصواتًا تتناثر،

أسماءً كانت لي ثمّ هجرتْني إلى معاجم الغير.

أكتبها على الرمل –

فتمحوها الريحُ

كأنّها تصحيحٌ لغويّ للذاكرة.

(5)

أيتها الذاكرة،

يا أنثى الحبر المبتلّ،

يا أنا يعبرُ الحبرَ حافيًا،

كم مرّةٍ نسيتِني كي أتذكّرَكِ؟

(6)

في الممرّ الأخير من الحلم،

أعثرُ على مقعدٍ مقلوب،

وعلى ورقةٍ تقولُ:

“كلُّ ما حدث… لم يحدث،

بل تذكّرَ نفسه خطأ.”

(7)

الزمنُ يعودُ من المنفى،

محمّلاً بملحِ صورٍ لا تشبهُ أحدًا.

في صمتهِ،

يختبئُ الغريقُ الذي كنتُه،

يتمرّنُ على التنفّسِ بينَ المفردات.

(8)

الذاكرةُ – ليست مكانًا،

إنّها إصبعٌ تشيرُ إلى غيابٍ آخر.

كلّ ما أراهُ الآن

هو الموجُ يصحّحُ سطرَ الحلم،

ويعيدُ صياغةَ وجهي بصيغةِ الماضي الناقص.

(9)

تتدلّى من حوافّي قواربٌ من لهاث،

وكلماتٌ تشبهُ الزبد.

أكتبُ:

“كنتُ…”

فتفتحُ الذاكرةُ فمها،

وتبتلعُ الصيغة.

(10)

في النهاية،

لم أعدْ أعرفُ إن كنتُ أتذكّر،

أم أنَّ الذاكرةَ

هي التي تحلمُ بي الآن،

في غرفةٍ من ماء،

تُسمّي نفسها –

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.