صالح مهدي محمد
اللوحة: الفنان الألماني بول كلي
الحقلُ
لمعانٌ متكسِّر
ينفتح مثل جفنٍ يخشى الضوء.
سطوعٌ تتناثرُ فوق الظلمة،
كأنها بقايا فجرٍ
لم يجد جهةً مناسبةً ليولدَ فيها.
لا أرضَ هنا،
بل اهتزازاتٌ تلتصق ببعضها
وتتباعدُ
بحسب مزاجِ الضوء،
لا بحسب إرادة الأشياء.
كلُّ مرآةٍ
شظيّةُ نهارٍ
تقتربُ على صفاءٍ لم يَحِن وقتُه،
وكلُّ صمتٍ
منحنىً صغيرٌ
ينحني تحته المعنى
ثم يبتعدُ كأنه لا يخصّ أحدًا.
الهواءُ
مجرّدُ همسٍ،
يطلّ على الضوء
ويعود بخطاهُ الخفيفة
كأنه يخاف أن يُفهم.
تتكاثرُ الوجوهُ
من نقطةٍ واحدة،
تتصاعدُ كضوءٍ يُجرَّب للمرة الأولى،
وجوهٌ لا تريد أن تكون أشكالًا،
بل مجرّدَ عبورٍ
بين وهجٍ وآخر.
وفي عمقِ اللمعان،
تنكمشُ دائرةٌ صغيرةٌ
ثم تتمدّدُ
كأفقٍ يبحثُ عن نفسه
في مرآةٍ لا تتذكّرُ الأفقَ أصلًا.
البريقُ هنا
لا يثبتُ على نبرة،
ينطفئُ في لحظةٍ
ويعودُ في أخرى
كمن يختبر هشاشتَه
وهو يلبس وشاح الضوء.
كلُّ شظيّةٍ
تنطقُ ما قبل الكلمة،
وتتركُ ما بعدها معلَّقًا
في طبقاتٍ زجاجيةٍ
لا تعرفُ إن كانت تعكسُ العالمَ
أم تبتلعُه في صمت.
الصمتُ نفسه
يتحوّلُ إلى مادةٍ قابلةٍ للَّمس،
ملمسُها يشبه
حدودَ شيءٍ يتشكّل
من دون أن يقرّر شكلَه الأخير.
ولا غيابَ هنا،
بل مسافةٌ تلمع
بين حضورٍ محتمل
وانعكاسٍ
لا يقيسُ الزمنَ،
بل يقيسُ ارتجافةَ العين
حين تكتشف
أن الضوء
ليس صديقًا دائمًا،
وأن المرآة
لا تمنحُ سوى ما يهربُ منها.